بحيث لا يصرفهم عنه صارف أَصلًا، ويؤيد ذلك ما أَخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال: قال معاذ بن جبل: يا رسول الله ما التوبة النصوح؟ قال:(أَن يندم على الذنب الذي أَصاب فيعتذر إِلى الله تعالى ثم لا يعود إِليه كما لا يعود اللبن إِلى الضرع).
وروى تفسيرها بما ذكر عن عمر وابن مسعود وأُبيّ والحسن وغيرهم، وعن عمرو بن العلاء قال: سمعت الحسن يقول: التوبة النصوح أَن تبغض الذنب كما أَحببته، وتستغفر منه إِذا ذكرته.
وقال الإِمام النووي: التوبة ما استجمعت ثلاثة أُمور: أَن يقلع عن المعصية، وأَن يندم على فعلها، وأَن يعزم عزمًا جازما أَلا يعود إِلى مثلها أَبدا، فإن كانت المعصية تتعلق بآدمي لزم أَمر رابع وهو رد الظلامة إِلى صاحبها أَو وارثه أَو تحصيل البراءَة منه، وركنها الأَعظم الندم، وعلامة الندم طول الحسرة والخوف، وانسكاب الدمع.
وفي شرح المقاصد قالوا: إِن كانت المعصية في خالص حق الله تعالى فقد يكفرها الندم كما في ارتكاب الفرار من الزحف، وترك الأَمر بالمعروف، وقد تفتقر إِلى أَمر زائد كتسليم النفس للحد في الشرب وتسليم ما وجب في ترك الزكاة، ومثله في ترك الصلاة.
وظاهر الأَخبار قبول التوبة ما لم تظهر علامات الموت، ويتحقق أمره عادة، ومقتضى كلام النووي والمازني وغيرهما وجوبها عند التلبس بالمعصية ولا يجوز تأخيرها سواءٌ أَكانت صغيرة أَم كبيرة. وقيل: المراد توبوا إِلى الله توبة ترفو خروقك في دينك، وترم خللك من نصاحة الثوب أَي: خياطته، وقيل: توبة خالصة من الذنوب من قولهم: عسل ناصح إِذا خلص من الشمع.
قيل: إِن المراد أنه سبحانه بفعل ذلك على التحقيق، ووروده بتلك الصيغة للإِطماع جريا على سنن الملوك من الإِجابة بعسى ولعل ووقوع ذلك منهم موقع القطع والبت، وللإِشعار بأَن تكفير الذنوب تفضُّل والتوبة غير موجبة، وأَن العبد ينبغي أَن يكون في خوف ورجاءٍ وإِن بالغ في وظائف العبادة.