هو الذي يعلم لماذا كانت تنزل قبل البعثة المحمدية ويعلم مختلف مصادرها، وقيل في معنى الآية: وجعلناها ظنونًا ورجومًا لشياطين الإِنس وهم المنجمون المعتقدون تأثير النجوم في السعادة والشقاوة ونحوهما، ولكن الآلوسي رفض هذا الرأي، ونحن كذلك نرفضه لأَنه مخالف للنصوص الأُخرى التي مرّ ذكرها.
وقد ذكر القرطبي ردًّا على ذلك قول محمد بن كعب: والله ما لأَحد من أَهل الأَرض في السماءِ نجم، ولكنهم يتخذون الكهانة سبيلا، ويتخذون الكهانة سبيلا، ويتخذون النجوم عِلَّة، ونقل أَيضا عن قتادة تعليقًا على الآية قوله: خلق الله النجوم لثلاث: زينة للسماءِ، ورجومًا للشياطين وعلامات يهتدى بها في البر والبحر والأَوقات، فمن تأَول فيها غير ذلك فقد تكلف ما لا علم له به وتعدى وظلم.
وتعقيبًا على ما قاله قتادة نقول: إِن هذه الأُمور الثلاثة مأخوذة من نصوص في القرآن الكريم، ولكنها لا تمنع أَن تكون لها غايات أَعظم غير هذه الأُمور الثلاثة، ولكن الله - تعالى - لم يصرح بها لأَنها من شئون الغيب الذي استأثر الله بالعلم به لأَن البشر ليسوا بحاجة إِلى علمها، ولأَنها فوق مستوى عقولهم.
والمعنى الإِجمالي للآية: ولقد زينا السماءَ الأُولى بأَجرام شبه المصابيح في إضاءَتها فتخفف ظلام الليل، وجعلنا المصابيح مصادر للشهب التي يرجم بها الشياطين الذين يحاولون استماع الغيب من الملائكة الذين يوجدون في سماءٍ هي جوّ الأَرض إِذا لا قدرة لهم على الوصول إِلى أَي كوكب من كواكبها، فضلا عن استحالة وصولهم إِلى السماءِ نفسها. وأَعْددْنا لهؤْلاءِ الشياطين ولأَمثالهم في الكفر عذاب النار المشتعلة في الآخرة بعد الإِحراق في الدنيا لمسترقي السمع منهم بالشهب، فإن قيل: إِن الشياطين خلقوا من النَّار فكيف يعذبون بها؟ قلنا: إِن النَّار هي مادة خلقهم، ولكنهم تحولوا إِلى أَجسام أخرى قابلة للاحتراق بها، كما تحول بنو آدم من الطين إِلى أَجسام خالية من الطين.