للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢٥،٢٤ - {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)}:

أي: والذين يجعلون في أَموالهم نصيبًا معينا يستوجبونه على أَنفسهم تقربا إِلى الله، وإِشفاقا على العباد، وهو ما يوظفه الرجل على نفسه يؤديه في كل جمعة أَو كل شهر مثلًا كما روي عن الإِمام أَبي عبد الله - رضي الله تعالى عنه - وقيل: هو الزكاة لأَنها مقدرة معلومة، ورد هذا بأَن السورة مكية، والزكاة إِنما فرضت وبُيِّنَ مقدارها في المدينة، وقيل ذلك كانت مفروضة من غير تعيين، وهذا القدر المعين الذي اختاره المتصدقون، وجعلوا إِخراجه لزاما عليهم يعطي (لِلسَّائِلِ) وهو حق له. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسند أَحمد: "للسائِل حقٌّ وإِن جاءَ عَلَى فَرَس" (وَالْمَحْرُومِ) يعطي أَيضا، وهو الذي يتعفف فلا يسأل الناس شيئًا، وبذلك يخفى أَمره فلا يُفطن له، ويُحسب أَنه غني، فيحرم، ولا يتصدق عليه بما هو حق له، ويشير إِلى ذلك قوله تعالى: (يَحْسَبُهُمْ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنْ التَّعَفُّفِ) (١)، واستعمال المحروم في المتعفف على سبيل الكناية.

٢٦ - {وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦)}:

وهو يوم الجزاء والحساب، والمراد من التصديق به: أَن يشغلوا أَنفسهم بأَداءِ الأَعمال الصالحة طمعًا في المثوبة الأخروية بحيث يستدل بذلك على تصديقهم الأَكيد بيوم الجزاءِ وحبهم الصادق له، لأَن التصديق القلبي عام لجميع المسلمين، لا امتياز فيه لأَحد منهم على غيره.

٢٧ - {وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧)}:

أَي: خائفون على أَنفسهم أَن يمسهم عذاب ربهم مع ما لهم من الأَعمال الفاضلة استقصارًا لها واستعظاما لجنابه - عز وجل - كقوله تعالى - (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ) (٢) فهم بذلك قد بلغوا الغاية في بلوغ أَعلى مراتب الخشية، وأَسمى آيات الطاعة؛ فكان جزاؤهم أَن يكونوا من الآمنين يوم الفزع الأَكبر.


(١) البقرة، من الآية: ٢٧٣.
(٢) المؤمنون، آية رقم: ٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>