وهي حلق منتظمة كل حلقة منها في حلقة، أَي: لا تدخلوه إِلا في سلسلة مقدارها سبعون ذراعا ولفُّوها عليه حتى تنتظمه وتضمه، وهو فيما بينها مرهق مضيق عليه لا يقدر على الحركة، وقيل: إِن المعنى لا تدخلوا السلسلة إِلا فيه، ويكون المعنى أَن السلسلة هي التي تسلك وتدخل فيه، وهو مروي عن ابن عباس ﵄ أَنها تدخل في دبره حتى تخرج من فمه أَو من منخريه، وعند الله علم مقدار هذا الذراع، وجعلها سبعين ذراعا لإِرادة الوصف بالطول لأَنها إذا طالت كان الإِرهاق أَشد، ونظير ذلك قوله تعالى: ﴿إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً﴾ (١) يريد مرات كثيرة.
هذا بيان للسبب الذي استحق من أَجله هذا العذاب، أَي: استوجب واستحق هذا النكال لأَنه كان في الدنيا مستمرا وقائمًا على الكفر بالله العظيم وجاءَ وصفه - سبحانه - بالعظيم ليشعر ذلك بعظم وشدة عذابه - جل شأنه - واستحق العذاب أَيضا لأَنه لا يحث ولا يحرض غيره على طعام المسكين فضلا عن أن يبذل ماله، فهو يجمع بين البخل بماله والشح على المساكين من مال غيره، وقال صاحب الكشاف: وفي قوله تعالى: (وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ) دليلان قويان على عظم الجرم في حرمان المساكين أَحدهما عطفه على الكفر وجعله قرينا له، والثاني ذكر الحض دون الفعل ليعلم أَن تارك الحض بهذه المنزلة فكيف بتارك الفعل؟! وعن أبي الدرداء: أَنه كان يحض امرأَته على تكثير المرق لأَجل المساكين، وكان يقول: خلعنا نصف السلسلة بالإِيمان أَفلا نخلع نصفها الآخر؟
أي: فليس له في الآخرة قريب يدفع عنه ويحزن عليه لأَنهم يتحامونه ويفرون منه كقوله تعالى: (وَلَا يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيمًا) والغسلين: هو غسالة أَهل النار وما يسيل من أَبدانهم من القيح والصديد والدم، أَي: ليس لهؤُلاءِ الأَشقياءِ التعساءِ طعام يطعمونه إِلا هذا الصنف