وقال الفخر الرازي في قوله تعالى:(قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ): إِلاَّ أَنكم لا تقصدون الإِيمان فلذلك تعرضون عن التدبر، ولو قصدتم الإِيمان لعلمتم كذب قولكم: إِنه شاعر لمفارقة هذا التركيب ضروب الشعر.
أَي: ليس القرآن - أَيضا - بقول كاهن؛ لأَن الكهان تلهمهم وتمدهم الشياطين بالغي والضلال وقد نزل القرآن بسب الشياطين وشتمهم؛ فلا يعقل أَن يكون من مدهم وإِلهامهم غير أنكم أَيها المكذبون لا تتذكرون كيفية نظم القرآن واشتماله على شتم الشياطين ولعنهم والتحذير منهم، ولو تذكرتم ذلك لأَدركتم أَنكم تتخبطون في أَقوالكم وتكذبون أَنفسكم.
٤٣ - ﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣)﴾:
أَي: أن القرآن العظيم كلام رب العالمين؛ لأَنه تنزيله، أَما أَنه ينسب قوله إِلى جبريل ﵇ فلأَنه نزل به من عند الله، أَو أَنه قول سيدنا محمد ﷺ فلأَنه أَنذر وبشر الخلق به، فكل من جبريل ﵇ ومحمد ﷺ لا دخل في القرآن الكريم إِلا بالنزول به من عند الله بالنسبة لأمين الوحي جبريل ﵇ وبتبليغ ما أَنزل عليه للناس كافة بالنسبة لرسولنا محمد ﷺ.
أَي: لو ادعى ونسب إِلينا محمد من قبل نفسه لم نقله لمنعناه بالأَخذ بيمينه، وهذا تصوير للانتقام منه على أَبشع صورة كما يفعل الجبابرة بمن يريدون التنكيل بهم، من ذلك: بأَن نسلبه قوته، أَو ننتقم منه بالحق بأَن نقيض ونهيء له من يعارضه فيه ويبطل قوله حتى يظهر كذبه لئلا يشتبه الصادق بالكاذب، ثم كانت عاقبته أَننا نقطع العرق المتصل بقلبه حتى يقضى عليه ويموت
(فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ) أَي: فلا يقدر أَحد من الناس أَن يحجزنا ويمنعنا ويحول بيننا وبينه في أَخذ بيمينه، أَو في قطعنا وتينه؛ إِذ ليس ذلك في قدرة أحد أَو في إِمكانه.