لَمَّا وصف سبحانه فيما سبق كل من أَدبر عن الحق وتولى عن الطاعة بما يستحقونه من النعوت القبيحة معللا ذلك بهلعهم وجزعهم. استثنى المتصفين بالأَوصاف الجليلة الآتية التي تنبيء عن كمال تنزههم عن الهلع: من الاستغراق في طاعة الحق، والإِشفاق على الخلق، والإِيمان بالجزاء، والخوف من العقوبة، وكسر الشهوة، وإِيثار الآجل على العاجل فقال عز من قائل مُعَدِّدًا تلك الصفات التي اتصف بها المصلون:
أَي: مواظبون مستمرون على أَدائها في وقتها، لا يغفلون عنها ولا يشتغلون بغيرها، وقد أَخرج ابن حبان عن أَبي سلمة قال: حدثتني عائشة قالت: قال رسول الله ﷺ: "خُذُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُون، فَإِنَّ اللَّهَ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا". قالت: فكان أَحب الأَعمال إِلى رسول الله ﷺ ما دام عليه وإِن قل، وكان إِذا صلى صلاة دام عليها، وقرأَ أَبو سلمة:(الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ)، قيل: دائمون، أَي: لا يلتفتون فيها، وروي ذلك عن عمران بن حصين وكذا عن عقبة بن عامر.
أَخرج ابن المنذر عن أَبي الخير أَن عقبة قال لهم: من الذين هم على صلاتهم دائمون؟ قال: قلنا: الذين لا يزالون يصلون. قال: لا ولكن الذين إِذا صلوا لم يلتفتوا عن يمين ولا شمال. وإِليه ذهب الزجاج.
وقيل: المراد بالدوام السكون والخشوع كقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ)(١)، والمراد بالصلاة - على ما أخرج عبد بن حميد عن إِبراهيم التَّيْمي -: الصلاة المكتوبة، وقيل: النافلة، وقيل: ما أُمروا به مطلقًا منها، على سبيل الوجوب أَو الندب وهو الظاهر.