أَي: أَنهم إِذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإِذا عاهدوا لم يغدروا، بل كانوا مثالا كاملاً في حفظ الأَمانة، ورعاية حقوقها، والوفاء بالوعد، والإِخلاص فيه، وبذلك تنزهوا عما اتصف به المنافقون في الحديث الصحيح " آية المنافق ثلاثٌ: إِذا حَدَّت كذبَ، وإِذا وعَد أَخْلفَ، وإِذا اؤْتمِنَ خان " وكأَنه لكثرة الأَمانة جمعت، ولم يجمع العهد لأَنه ليس كالأَمانة كثرة، ويدل علي كثرتها ما روي عن الكلبي: كل أَحد مؤتمن علي ما افترض عليه من العقائد، والأَقوال، والأحوال، والأَفعال، ومن الحقوق في الأَموال وحقوق الأَهل والعيال، وسائر الأَقارب، والمملوكين، والجار، وسائر المسلمين. قال السدي: إِن حقوق الشرع كلها أَمانات قد قبلها المؤتمن، وضمن أَداءَها بقبول الإِيمان، ونص غير واحد أَن الخيانة في الأَمانة، وكذا الغدر بالعهد من الكبائر، وأخرج البيهقي في شعب الإِيمان عن أَنس قال: ما خَطَبَنا رسول الله- صلي الله تعالي عليه وسلم - إِلا قال:" لا إِيمانَ لمن لا أَمانَةَ له، ولا دين لمن لا عَهْدَ له ".
أَي: أَنهم محافظون عليها، لا يزيدون فيها، ولا ينقصون عنها، غير منكرين لها أَو لشيءِ منها، وإِنما يقيمونها علي وجهها، بدون ميل إِلي قريب أَو شريف، أَو ترجيح لقوي علي ضعيف: إِظهاراً للصلابة في الدين ورغبة في إِحياءِ حقوق المسلمين، وتعظيما لله ﷿ فيما يتعلق بحقوقة - سبحانه - من أَنه واحد لا شريك له وأَن محمداً عبده ورسوله،، وخص بعضهم الشهادة بما يتعلق بحقوق العباد، وذكر أَنها مندرجة في الأَمانات إِلاَّ أَنها خصت بالذكر لإِبانة فضلها، وعلو قدرها، وجمعت لاختلاف الأَنواع.
أَي: يراعون شرائطها، ويكملون في فرائضها، وسننها، ومستحباتها، وذلك باستعارة الحفظ من الضياع للإِتمام والتكميل، والحفظ غير الدوام في قوله - سبحانه - فيما سبق (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ) فلا تكرار.