للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا، والأَمد: الزمان مطلقًا بعيدًا كان أَو قريبًا، والمراد به هنا: البعيد؛ بقرينة المقابلة بالقريب.

٢٧،٢٦ - {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧)}:

أَي أَنه - سبحانه - هو الذي يعلم كلَّ ما خفي واستتر؛ لأَنه خالق كل شيءٍ: (أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (١) ومن ذلك الغيب: العذاب والنكال الذي يقع عليهم ويلحق بهم، وَأنه - جل شأَنه - لا يطلع ولا يظهر على غيبه أَحدًا إِلا من يختاره ويصطفيه للنبوة والرسالة فيطلعه على بعض ما يريد سبحانه أَن يظهره له، لأَن الرسل - عليهم السلام - مؤيدون بالمعجزات ومنها الإِخبار عن بعض الغيبيات، قال تعالى - حكاية عن عيسى - عليه السلام - (وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ) (٢) وفي قوله تعالى: (إِلا مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) إِشارة إِلى إِبطال الكهانة والسحر والتنجيم لأَنَّ أَصحابها أَبعد شيءٍ عن ارتضاء الله وأَدخل ما يكون في سخطه وغضبه.

روي أَن مسافر بن عوف قال لأَمير المؤْمنين على بن أَبي طالب - رضي الله عنه - لَمَّا أَراد لقاءَ الخوارج: يا أَمير المؤْمنين؛ لا تُسِرْ في هذه الساعة وَسِرْ في ثلاث ساعات يمضين من النهار، فقال له علي - رضي الله عنه -: ولم؟ قال: إِن سرتَ في هذه الساعة أَصابك وأَصاب أَصحابك بلاء وضر شديد، وإِن سرت في الساعة التي أَمرتك بها ظفرت وظهرت وأَصبت ما طلبت فقال عليّ - رضي الله عنه -: ما كان لمحمد صلى الله عليه وسلم منجم ولا لنا من بعده، فمن صدقك في هذا القول لم آمن عليه أَن يكون كمن اتخذ من دون الله نِدًّا أَوضِدًّا، اللَّهم لا طير إِلاَّ طيرك ولا خير إِلا خيرك، ثم قال للمتكلم: نكذبك ونخالفك ونسير في الساعة التي تنهانا عنها، ثم أَقبل على الناس فقال: أَيها الناس: إِياكم وتَعَلُّمَ النجوم إِلا ما تهتدون به في الظلمات البر والبحر، وإِنما المنجم كالساحر، والساحر


(١) الآية ١٤ من سورة الملك.
(٢) من الآية ٤٩ من سورة آل عمران.

<<  <  ج: ص:  >  >>