أي وأَننا - معشر الجن - لا نعلم ما الله صانع بأَهل الأَرض بسبب امتلاءِ السماء بالحرس والشهب وانقضاضها وتهافتها، وتغير الحال عما أَلفناه، أَحَدَثَ ذلك لعذاب وشر يريد - سبحانه - أن ينزله بأَهل الأَرض؟ أَم لخير يريده الله لهم؟ أَو أَننا لا ندري أَن إِرسال محمد الذي من أجله منع استراقنا للسمع وقعودنا في مواضع في السماءِ، أَيكون ذلك نذير عذاب لهم، فإِنهم قد يكذبونه فيهلكونه بتكذيبه كما هلك من كذَّبوا رسلهم من الأُمم السابقة أَم يكون ذلك بشير خير لهم فإِنهم قد يؤمنون به ويهتدون، ولا يخفى ما في قول الجن:(أَشَرٌّ أُرِيدَ) من الأَدب حيث لم يصرحوا بنسبة الشر إِلى الله ﷿ كما صرحوا به في الخير والرشد وإِن كان فاعل الكل هو الله - تعالى - فقد جمعوا بين جم الأَدب وحسن الاعتقاد.
أَي: وأَنا منا الأَبرار المتقون، ومنا قوم دون ذلك في الصلاح وهم المقتصدون غير الكاملين فيه، أَو: ومنا سوى ذلك وهم الطالحون الفاسدون الذين ليس لهم صلاح وهم الكافرون.
(كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) أَي: كنا في اختلاف أَحوالنا مثل الطرائق المختلفة، أو كنا ذوي مذاهب متفرقة؛ فالطرائق - وقد وصفت بالقِدَد - تدل على معنى التقطع والتفرق والاختلاف كأَن كل طريق لامتيازها مقطوعة عن غيرها.
أَي: وأَننا علمنا وتيقَّنَّا بالاستدلال والتفكر في آيات الله وبما شاهدنا من قدرته أَننا في قبضته وقهره، ولن نعجزه في الأَرض مع بسطها وسعتها وكثرة فجاجها وتشعب طرقها، فلا نفوته إِذا أَراد بنا أَمرًا أَينما كنا فيها، ولن نستطيع أَن نفلت منه ﷿ هربًا إلى السماء، وإِن هربنا فلن نخلص منه؛ وذلك لشدة قدرته وعظيم سلطانه.