من عقاب ذلك الفرعون وقومه: لأَن رسولكم يشهد عليكم عند ربكم، ولو آمنتم لكانت شهادته لكم.
وقد جاءَ في هذا الوضع ذكر قصة موسى وفرعون دون سائر الرسل والأُمم؛ لأَن أَهل مكة استهزأُوا برسول الله ﷺ واستخفوا به لأَنه ولد فيهم وتربى بينهم، كما أَن فرعون ازدرى موسى لأَنه ربَّاه وولد ﵇ فيما بينهم، وهو قوله:(أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ)(١).
هذا توبيخ وتقريع، أَي: إِذا بدا لكم وجال بخاطركم أَنكم لن تؤْخذوا بأَعمالكم السّيئة وفعالكم القبيحة وتكذبيكم رسول الله كما أخذ فرعون أخذًا شديدًا وعذَّبه عذابًا غليظًا، فكيف تَقُونَ أَنفسكم وتحفظونها من هول يوم القيامة وما أَعد لكم فيه من القيود والأَغلال إِن دمتم على ما أَنتم فيه حتى زهقت أَرواحكم وأَنتم كافرون؟ وما ينبغي لكم يا أُولي الأَحلام والنُّهَي أَن تكونوا كذلك وقد جاءَكم من الله نور وكتاب مبين، أَو: كيف لكم بالتقوى، وأَنَّى لكم بها يوم القيامة إِن كفرتم في الدنيا (يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا) هذا مثل في الشدة، يقال في اليوم الشديد: يوم يشيب نواصي الأَطفال، والأَصل أَن الهموم والأَحزان إِذا تفاقمت واشتدت على الإِنسان أَسرع فيه الشيب، وقال أَبو الطيب:
وقيل: إِن الكلام على الحقيقة استنادًا إِلى ما جاءَ في حديث الشفاعة، وفيه أَن الله - سبحانه - يأمر آدم ﵇(أَن يخرج بعث النار من كل ألف: تسعمائة وتسعة وتسعين، فيخرجون ويساقون إِلى النار سوقًا مُقَرَّنين زُرْقًا) قال ابن مسعود: "فإِذا خرج بعث النار شاب كل وليد".