فالغرض من هذين الوصفين، رد ما عليه أهل الكتاب، وإيذان بأن ما هم عليه، إنما هو مخالف للحق، ولما جاء في التوراة والإنجيل النازلين من عند الله - تعالى - وبيان أن الحق - الموافق لسائر الكتب السماوية - هو ما جاء في القرآن المجيد. ولذا عقبه بقوله:
أي فأنزل التوراة والإنجيل من قبل القرآن، لأجل هداية الناس حين أنزلهما على موسى وعيسى، فلم يكن فيهما شيء من الضلال، الذي يشتملان عليه الآن.
(وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ):
أي وأنزل القرآن بعدهما: فارقًا بين الحق الذي كانت عليه الكتب السماوية، وبين الباطل الذي عليه أهل الكتابين الآن، وسائر أصحاب الملل والنحل. فقد بين الحق في أمر عُزَيْر وعيسى، ونفى أنهما وَلَدَان لله. وأحل الحلال، وحرَّم الحرام، وفرض الفرائض، وشرع الشرائع، وسنّ الأخلاق الرفيعة، وأوجب توحيد الله في العبادة، ونفى عنه الشركاء، وأخبر عن يوم القيامة الذي تجزى فيه كل نفس ما عملت من خير أو شر، وأقام الأدلة على ثبوته.
فمن استحب العمى على الهدى - بعد هذا الفرقان - فأُولئك هم الظالمون. "وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ"(١).
أخرج ابن جرير، عن محمد بن جعفر بن الزبير: أنه - أي القرآن - الفاصل بين الحق والباطل فيما اختلف فيه الأحزاب من أمر عيسى ﵇ وغيره.
وأيد هذا، بأن صدر السورة نزلت في محاجة النصارى للنبي ﷺ في أمر أخيه عيسى.
ولما ذكر الله ما يتعلق بمعرفة الإله، وتقرير النبوة، أتبعه الوعيد للكافرين المعرضين عن هذا الحق فقال: