قال ابن كثير: أَي هذا الذي مزج لهؤلاءِ الأَبرار من الكافور هو عين يشرب بها المقربون من عباد الله صرفًا بلا مزج ويروون بها، وقوله تعالى:(يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا): أَي يتصرفون فيها حيث شاءُوا، وأَين شاءُوا من قصورهم وديارهم ومجالسهم ومحالهم، ويُجْرونها كما أَرادوا إِجراء سهلًا لا يمتنع عليهم.
استئناف مسوق لبيان ما لأَجله يرزقون هذا النعيم، مشتمل على نوع تفصيل لما ينبئ عنه اسم الأَبرار إِجمالًا، كأَنه قيل: ماذا يفعلون حتى ينالوا تلك الرتبة العالية، فقيل:(يُوفُونَ … ) إِلخ وأُفيد أَنه استئناف للبيان ومع ذلك فلعل السر في أَنه عدل عن أَوفوا إِلى المضارع (يُوفُونَ) للاستحضار والدلالة على الاستمرار.
والوفاءُ بالنذر: كناية عن أَداءِ الواجبات كلها فإِن من أَوفى بما أَوجبه على نفسه كان إِيفاؤه بما أَوجبه الله تعالى عليه أَهم له وأَحرى، وجعل هذا كناية هو الذي يقتضيه ما روى عن قتادة حيث قال: يوفون بما فرض عليهم من الصلاة والزكاة والحج وغير ذلك من الواجبات، وعن عكرمة ومجاهد إِبقاؤه على الظاهر: أَي إِذا نذورا طاعة فعلوها، ولا يخلفون إِذا نذروا، والنذر ما أَوجبه المكلف على نفسه من شيءٍ يفعله (وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا): أَي يخافون يومًا كان عذابه وضرره البالغ فاشيًا منتشرًا في الأَقطار غاية الانتشار، من استطار الحريق والفجر، وفي وصفهم بذلك إِشعار بحسن عقيدتهم واجتنابهم المعاصي لأَنهم يتركون المحرمات التي نهاهم الله عنها خيفة من سوءِ الحساب يوم الميعاد، وهو اليوم الذي ضرره خطير وشره مستطير: أَي منتشر عام على الناس إِلاَّ من رحم الله. قال قتادة: استطار والله شر ذلك اليوم حتى ملأَ السموات والأَرض.