للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخلائق، وليس عليهم يومئذ لباس ولا كفان فتلفحهم الشمس وتسفعهم (١)، وتأخذ بأَنفاسهم، ويمتد ذلك اليوم، ثم ينجي الله برحمته من يشاء إِلى ظلٍّ من ظلِّه، فهناك يقولون: فمنَّ الله علينا ووقانا عذاب السموم، ويقال للمكذبين: انطلقوا إِلى ما كنتم به تكذبون من عذاب الله وعقابه: كذلك لا يدفع عنهم هذا الظل لهب النار، وقيل: لا يحول بينهم وبين العطش (٢) الذي تنالهم شدته وإنما سمى ما هم فيه ظلاَّ على طريق التهكم بهم والسخرية منهم.

٣٢ - (إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ):

أَي: إِن النار ترمي وتقذف بشرر -وهو ما يتطاير من النار متبددًا في كل جهة- كل شررة منه في عظمها كالقصر. وهو البناءُ العالي العظيم، أَو الحِصن المنيع -وقيل: المراد من القصر: جمع قَصْرة، وهي الحطب الجزل الغليظ، أَو هو أُصول النخل والشجر العظام وأَيًّا ما كان الأَمر فإِنها النار التي وقودها الناس والحجارة التي تكاد ينفصل بعضها عن بعض من شدة غضبها على الكفار "تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنْ الْغَيْظِ" (٣).

٣٣ - (كَأَنَّهُ جِمَالَةٌ صُفْرٌ):

الجمالة: جمع جمل، لحقت به التاءُ لتأنيث الجمع. أَو أَن جمالة: جمع جمال، وجمال: جمع جمل، فيكون من قبيل جمع الجمع.

وإِذا كانت الشررة مثل القصر الضخم أَو الحصن العالي العظيم أَو كأُصول الشجر العظام فكيف يكون حال النار التي ترمي بذلك؟ أَعاذنا الله منها.

وشبه الشرر -أَولًا- بالقصر لعظمه وضخامته، ثم شبه -ثانيًا- في اللون والكثرة والتتابع وسرعة الحركة بالجمالات الصفر، أَي: السود التي تضرب إِلى الصفرة، قال


(١) الكفان: وقاء كل شيء ولفحت النار بحرها: أَحرقت. وسفح السموم وجهه: لفحة لفحا يسيرا.
(٢) قال قطرب: اللهب هنا: العطش، يقال: لهب لهبا ورجل لهبان؛ وامرأة لهبى.
(٣) من الآية: ٨ من سورة الملك.

<<  <  ج: ص:  >  >>