أَي: ويعلوهم ويجمل أَبدانهم ثياب من رقيق الحرير، وثياب أُخرى فوقها من عظيمه وغليظه لونها أَخضر؛ ليكون ذلك أَكمل لسرورهم؛ لأَن الخضرة تكسب النفس اطمئنانًا وتملأُ الجوانب فرحًا وحبورًا، كما يزينهم ويجملهم بالحليِّ من أَساور الفضة. هذا وقد جاءَ في آيات أُخرى أَنهم يحلون بالذهب والؤلؤ، وذلك إِما أَن يكون على المعاقبة فتارة يحلَّون بهذا وتارة يحلَّون بذاك أَو كانت الزينة هنا بالفضة ليناسب ذلك ويتوافق مع ما يطاف به عليهم من آنية الفضة وأَكوابها (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ * قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ) وذلك ليكمل التناسق ويتم التوافق بين ما يأكلون ويشربون فيه، وما يلبسون ويتزينون به، وقيل: يكون لكل قوم ما تميل إِليه نفوسهم، أَو أَنه يجمع لهم بين الذهب والفضة والؤلؤ.
(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) أَي: وكما جمل ظاهرهم باللباس والحلي طهر باطنهم بشراب قد تناهي في الطهر وبلغ فيه الغاية حتى إِنه يطهر سواه وينقيه ويُذْهبُ ما به من كَدَر وأَذى وقذر وغل وحسد ليَكْمُلَ ويَتمَّ لهم جمال الظاهر ونقاء الباطن، وفي تفسير الإِمام القرطبي: قال عليٌّ ﵁ في قوله تعالى: (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا): إِذا توجه أَهل الجنة إِلى الجنة مرُّوا بشجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيشربون من إِحداهما فتجري عليهم نضرة النعيم، فلا تتغير أَبشارهم ولا تتشعث أَشعارهم أَبدًا، ثم يشربون من الأخرى فيخرج ما في بطونهم من الأَذى، ثم تستقبلهم خزنة الجنة فيقولون لهم:"سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِيَن".
وفي نسبة السقي إِلى الله - سبحانه - في قوله:(وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ) ما يدل على مزيد فضل هذا الشراب على ما سواه من الكافور والزنجبيل والسلسبيل؛ إِذ إِنه إِتحاف منه - جل شأْنه - دون وساطة أَحد من خلقه.