أَي: إِننا نحن -لا غيرنا- قد نزلنا عليك هذا القرآن العظيم فهو من لدنَّا، وما افتريتَه ولا جئتَ به من عندك ولا من تلقاءِ نفسك كما يدَّعي المشركون والمكذبون ذلك ويزعمون أَنه من عندك (إِن يَقْولُونَ إِلاَّ كّذِبًا) وقد أُنزل هذا الكتاب الجليل الكريم بما يشتمل ويتضمن ما يحتاج إِليه الناس في أَمر معاشهم ومعادهم، وليس بسحر ولا كهانة ولا شعر، بل إِنه الحق، وفي ذلك من إِزالة الوحشة الحاصلة لرسول الله ﷺ بسبب طعن الكفار في القرآن الكريم، فيكون المعنى: إِذا كان بعض الجهال قد طعن فيما أَنزلته عليك إِلاَّ أَن جبار السموات والأَرض قد عظمه وصدقه.
قال الإِمام ابن عباس: أَنزل الله القرآن مفرقًا آية بعد آية ولم ينزل جملة واحدة؛ فلذلك قال:"نَزَّلْنَا".
أَي: فاحبس نفسك واصبر على كل ما حكم به ربك سواءٌ كان ذلك تكليفًا خاصًّا بك من العبادات والطاعات ونحوها، أَو متعلقًا بتبليغ الرسالة وأَداءِ الأَمانة وتحمل المشاق الحاصلة والناشئة عن ذلك.
(وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا) أَي: ولا تتبع سبيل من كان منهم مغرقًا في الإِثم مفرطًا فيه ولا من تناهي في الكفر ودعا إِليه، سواءٌ أُريد شخص بعينه أَو كان مرادًا به كل آثم وكفور. وقد جاءَت (أَوْ) هنا للعطف بدل الواو؛ للإِيذان بأَن كلاًّ من الآثم والكفور وحده حقيق وجدير أَن يُعصى ولا يُطاع؛ فكيف وقد جمع بينهما في النهي عن طاعتهما معًا.
قال الزجاج: إِن (أَو) هنا أَوكد من الواو؛ لأَنك إِذا قلت لا تطع زيدا وعمرا فأَطاع أَحدهما كان غير عاص، فإِذا أبدلتها بأَو فقد دللت على أَن كل واحد منهما أَهل أَن يعصى، ويعلم منه النهي عن إِطاعتهما معا كما لا يخفي.