عطف على (جَآءَتْ) من قوله سبحانه: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى) أَي: أُظهرت إِظهارًا بينًا فلا تخفى على أَحد (لِمَنْ يَرَى) أَي: لمن شأْنه الرؤْية كائنا من كان، روى أَنه يكشف عنها فتتلظى فيراها كل ذي بصر.
تفصيل لجواب (إِذَا) من قوله تعالى: (فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى) وهو مقدَّر بنحو: وزع الجزاء على العمل، أَو ظهرت الأَعمال ونشرت الصحف، أَو وقع ما لا يدخل تحت حصر.
(فَأَمَّا مَنْ طَغَى) أَي: عتا وتمرد على الطاعة، وجاوز الحد في العصيان
(وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) أَي: فضل لذائذها وشهواتها، وأَتْبع نفسه هواها، ولم يستعدّ للحياة الأخروية الأَبدية بالإِيمان والتقوى
(فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى) أَي: دارُ العذاب مأْواه ومستقره، ويتجرع فيها نارًا يتأَجج لظاها تشوي الوجوه، وتنضج الجلود، وكلما نضج جلده بدله الله جلدًا غيرهُ ليذوق العذاب، قيل: نزلت الآية في النضر وأَبيه الحارث المشهورين بالغلو في الكفر والعصيان.
أَي: وأَما عن عرف بسطة السلطان الإِلهي، فخاف مقامه بين يدي ذي الجلال الرفيع يوم الطامة الكبرى وزجر نفسه عن هواها الباطل الذي يميل بها إِلى اقتراف الآثام بحكم الجبلة البشرية، وأَهمل متاع الحياة الدنيا وزخافها التي تعمى وتصم، ولم يغتر بزهرتها وزينتها علمًا منه بوخامة العاقبة. هذا وقد شاع الهوى في الميل إِلى الشهوة، وسمى بذلك -على ما قال الراغب- لأَنه يَهْوِي بصاحبه في الدنيا إِلى كل واهية، وفي الآخرة إِلى الهاوية، ولذلك مدَح مخالفه، قال بعض الحكماء: إِذا أَردت الصواب فانظر هواك فخالفه. وقال الفضيل: أَفضل الأَعمال مخالفة الهوى، إِلى غير ذلك من الأَقوال الداعية إِلى مجافاته