مخرجه من البطن بأن فتح له رحم أُمه، وألهمه أن ينتكس فتكون رأسه إلى أسفل، وأحاطه بكل أنواع الرعاية، أو ثم سهل له طريق الخير والشر، ومكنه من السلوك فيها بأن أقدره ﷿ على كلٍّ ومكَّنَهُ منه. والإقدارُ على ما يريده الإنسان نعمة ظاهرة بقطع النظر عن خبريته وشريته في ذاته وبهذا الاعتبار كان تيسير السبيل إليهما نعمة من نعمة -جل وعلا- وهذا مثل قوله تعالى:"إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا"(١).
أي: جعله ذا قبر يواري فيه بعد موته تكرمة له، حتى لا يبقى مطروحًا على وجه الأرض، فيصير جيفة يستقذرها كل من يراها، ويتأذى مما ينبعث منها من روائح كريهة، ويكون نهيًا للسباع والطير وغيرهما.
والمراد من جعله ذا قبر أنه ﷿ أمر بدفنه ومكَّن منه، كما ينطق به معنى (فَأَقْبَرَهُ).
وفي الآية إشارة إلى مشروعية دفن الميت من الآناسي بلا خوف، أما حرقه -كما يفعل بعض الوثنيين- فمناف للتكرمة، ومجافٍ للسنة الإسلامية، على ما فيه من البشاعة والشناعة، وأما دفن غير الإنسان والحيوانات فقيل: هو مباح، وقد يطلب على سبيل الوجوب لأَمر مشروع يقتضيه، وذلك لدفع الأذى البالغ الذي يترتب على ترك جيفها مطروحة، فتفسد الجو بروائحها الكريهة، وتتكاثر عليها الجراثيم الضارة التي تفتك بصحة الإنسان، وتودي بحياته.
والإتيان بالفاءِ في قوله تعالى:(فَأَقْبَرَهُ) للإشارة بتعجيل دفن الميت عقب موته فهي في موضعها، وَعُدَّتِ الإمانة من النعم لأنها وصلة في الجملة إلى الحياة الأبدية والنعيم المقيم.
(ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ):
أي: إن الله تعالى ينشره ويبعثه بعد موته وإقباره في الوقت الذي تتعلق به مشيئته، وفي تعلق الإنشار بالمشيئة إيذان بأن وقته غير معين أصلا، بل هو راجع للمشيئة، بخلاف