النعم من الامتثال والإقبال على خالفه الذي أَنزل الغيث من السماء، فصبه صَبًّا على الأَرض التي انشقت بالنبات المتنوع، فنما وترعرع، فكان منه كما يقول تعالى:(فَأَنْبَتْنَا فيها حَبًّا) يقتاب به الناس ويدخرونه، ومن نحو القمح والشعير
(وَعِنَبًا وَقَضْبًا) أَي: عنبا يتفكه به، وقضبا، أَي: علفا رطبا للدواب، وقيده بذلك الخليل وقال: إذا جف فهو التبن، وسمى قضبا، لأَنه يقضب، ويقطع مرة بعد أُخْرى كالبرسيم ونحوه. وقيل: هو ما يقضب ليأْكله ابن آدم غضا كالبقول وبعض الخضروات.
(وزَيْتُونًا وَنَخْلًا) الزيتون معروف ويؤكل بكل أنواعه، ويؤتدم بعصيره، ويستشفى به، والنخل تؤكل تمرته بلحًا كانت أو يسرًا أو رطبًا أو تمرًا.
(وحَدَائِقَ غُلْبًا) وهي الأشجار المثمرة التي أُحيطت بسور يجمع بين أجزائها. فإن لم تحط به، فليست بحدائق بل هي بساتين، ومنه قيل: أحدقوا به، أي: أحاطوا ووصف الحدائق بقوله تعالى: (غُلْبًا) لتكاثفها، وكثرة أشجارها، وتشابك أغصانها، أو لأنها ذات أشجار ضخمة عظيمة، وكونها كذلك للإشعار بأَن النعمة في جملتها لا في ثمرتها فحسب، فمن أخشابها ما ينتفع به في الإحراق والصناعة، ومن أوراقها ما تأكله الحيوانات حفاظاً على حياتها، وهذا أكمل في الانتفاع بها.
(وفاكهة وأبًّا) ذكرت الفاكهة مع أنها تدخل في الامتنان بالحدائق؛ للاعتناء بشأْن ما يتفكه به من ثمارها المتنوعة، من كل ما حسن مذاقه، وطاب ريحه، وكبر حجمه، ولا شك أن ذلك أَدْخَلُ في الامتنان.
والأَبُّ: كما نقل عن ابن عباس وجماعة أنه الكلأ والمرعى، وسمي بذلك لأنه يُؤَمُّ ويُقصد، والأَبّ: القصد، وقيل: هو ما أنبتته الأرض مما تأكله الدواب ولا يأكله الإنسان، وقال الضحاك: كل شيءٍ أنبتته الأرض سوى الفاكهة.
روي أن أبا بكر الصديق ﵁ سئل عن الأّبِّ فقال: أي سماء تظلني، وأي أرض تلقني إذا قلت في كتاب الله ما لا علم لي به؟! وفي صحيح البخاري في رواية