للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وإنما أقسم - تعالى - بالخنس الجواري الكنس لدلالتها بهذه الأحوال المختلفة، والحركات المنسقة على عظيم قدرة مبدعها ومصرفها -عز شأنه- وإرشاد تلك الحركات على ما في الكون من بديع الصنع، وإحكام النظام.

١٧، ١٨ - (وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ * وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ):

عطف على القسم السابق، أَي: لا أُقسم بعظمة الليل إذا أَقبل ظلامه أَو أَدبر، فكلمة "عَسْعَسَ" من الأضداد، قال الفراء: أَجمع المفسرون على أَن معنى (عَسْعَسَ اللَّيْلُ): أَدبر وقيل: هي لغة قريش، وقيل المعنى: أقبل ظلامه، وذلك أَوفق للآية التالية، لما بين إقبال الليل وتنفس الصبح من المناسبة،

(وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ) أي: لا أُقسم كذلك بعظمة الصبح إذا تبلج وأَضاءَ، وامتدَّ حتى صار نهارًا بيِّنا أَزال غمة الظلام التي كانت تغمر الأَحياء فاستقبلوا يومهم مستبشرين بحياة جديدة في يوم جديد.

والتعبير بقوله سبحانه: (تَنَفَّسَ) لأَن الصبح إذا أَقبل: أَقبل بإقبال روح ونسيم فجعل ما يصاحبه نفسًا له على المجاز.

١٩، ٢١ - (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ * مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ):

ذلك جواب القسم وهو المقسم عليه المراد توكيده وتقريره، أي: إن هذا القرآن العظيم الناطق بما ذكر من العظائم الهائلة (لقول رسول كريم) كرمة الله وعظمة، وهو جبريل كما قال ابن عباس وقتادة والجمهور، وقد قاله من جهة ربه وإنما أُسند قوله إليه، لأَنه حامله إلى النبي وناقله إليه من مراسل ﷿

(ذِي قُوَّةٍ) أي: قدرة على ما يكلف به لا يعجز ولا يضعف، كما قال سبحانه في سورة النجم: "شَدِيدُ القُوَى، ذُو مِرَّةٍ" بمعنى أَنه مع قوته يتصف بالحصانة في العقل والرأْي.

جاءَ في قوله أنه بعث إلى مدائن لوط، وهي أربع مدائن، في كل مدينة أربعمائة ألف مقاتل سوى الذراري، فحملها بمن فيها من الأرض السفلى، ثم هوى