قد يشعر بالتأييد واللزوم وربما يوهم استحالة نسيانه، جاءَ نسيانه، جاءَ الاستثناءُ في قوله تعالى:(إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) أَي: إِنه -سبحانه- إِذا أَراد نسيانك شيئًا لم يعجزه ذلك وهو لم يشأْ أَن ينسيه شيئًا فيكون القصد نفي نسيانه رأْسًا.
روي أنه ﷺ أَسقط آية في قراءَته في الصلاة فحسب أُبيٌّ أَنها نسخت، فسأله، فقال ﵊: نسيتها. والذي ذكره أُبيُّ عن نسيانه ﷺ إِن صح ذلك فهو في غير ما يتعلق بالأَحكام التي أُمر بتبليغها، وكل ما يقال غير ذلك فهو من مدخلات الملحدين التي جازت على عقول الغافلين.
والاستثناءُ بشارة من الله لنبيه، وبالجملة: ففائدة هذا الاستثناءِ أَن يعرِّف الله -تعالى- رسوله ﷺ قدرته حتى يعلم -صلوات الله وسلامه عليه- أَن عدم نسيانه من فضله وإِحسانه - تعالى.
(إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى): تأْكيد لوعده - تعالى - لرسوله ﷺ أَي: إِن الذي وعدك بأَنه سيقرئك، وأَنه سيحفِّظك ما تقرأُ عالم بالسر والجهر فلا يفوته شيءٌ مما يكون في نفسك، وهو مالك قلبك وعقلك، وخافي سرك.
وفي قدرته أَن يحفظ عليك ما وهبك، ولو شاءَ لسلبه، ولن تستطيع دفعه لأَنك لا تستطيع أَن تخفى عنه شيئًا.
وقيل: إِن الآية تعليل للآية السابقة: أَي: لأَنه يعلم ما ظهر وما بطن من الأُمور التي من جملتها حالك وحرصك على حفظ ما يوحى إِليك بأَسره، فينسيك ما شاءَ إِنساءَه، ويبقى لك محفوظًا ما شاءَ إِبقاءَه لما يناط ويتعلق بكل منهما من المصالح والحكم التشريعية.
٨ - (وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى):
عطف على قوله -تعالى-: (سَنُقْرِئُكَ) الآية، أَي: نوفقك توفيقًا مستمرًّا للشريعة السمحة التي يسهل على النفوس قبولها، وعلى العقول فهمها في كل باب من أَبواب الدين علمًا وتعليمًا واهتداءً وهداية مما يتعلق بتكميل نفسه الشريفة ﷺ وتكميل غيره، فيندمج فيه تيسير الطريق إِلى تلقي الوحي، والإِحاطه بما فيه.