وابن جرير وغيرهم عن ابن مسعود قال: قال رسول الله ﷺ: (يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون أَلف زمام، مع كل زمام سبعونه أَلف ملك يجرونها)، وفي رواية بزيادة (حتى تُنصب على يسار العرش لها تَغَيّظ وزفير).
قال الآلوسي: وحمله على المجاز لا يدعو إِليه إِلاَّ استحالة الانتقال الذي يقتضيه المجيء الحقيقي، وهو لعمري غير مستحيل، فيجوز أَن تخرج وتنتقل من محلها في الحشر ثم تعود إِليه، والحال في ذلك اليوم وراءَ ما تتخيله الأَذهان. أهـ.
(يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ) أَي: في ذلك اليوم العصيب؛ والموقف الرهيب تذهب الغفلة ويتذكر الإِنسان عمله الذي نسيه، وفرط فيه، وذلك بمشاهدة آثاره وأَحكامه، أَو بمشاهدة عينه، بناءً على أَن الأَعمال تتجسم في النشأَة الآخرة، فتبرز كل من الحسنات والسيئات بما يناسبها من الصور الحسنة أَو القبيحة أَو (يتذكر) من التذكر بمعنى الاتعاظ، أَي: يتعظ بما ترى من آثار قدرة الله ﷿ وبالغ عظمته، وقوله - سبحانه -: (وأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى) اعتراض جيءَ به لتحقيق أَن ما وقع منه ليس بتذكر حقيقة لخلوه عن الفائدة؛ لكونه وقع في غير أَوانه، أَي: ومن أَين تكون له منفعة الذكرى وقد فات وقتها بمضي الحياة التي أَضاعها بغفلته؟! ولو كان على بصيرة من أَمره لعلم أَن الحياة هي دار العمل ولا جزاءَ فيها، وأَن الآخرة التي تذكر فيها هي دار الجزاءِ ولا عمل فيها.
استئناف وقع جوابًا عن سؤال مقدر، كأَنه قيل: ماذا يكون عند تذكره؟ فقيل:(يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) أَي: يدفعه ما يقبض به نفسه من الندم والحسرة إِلى أَن يقول: يا ليتني قدمت عملًا صالحًا ينفعني في آخرتي فهي حياتي في الباقية، أَو يا ليتني قدمت وعملت أَعمالًا نافعة وقت حياتي في الدنيا لأَنتفع بها اليوم.
ففي ذلك اليوم الذي ذكر فيه ما سبق من الأَحوال والأَقوال كدك الأَرض، ومجيء ربك والملائكة صَفًّا صَفًّا، وكشف جهنم للناظرين أَو الإتيان بها، وتذكر الإِنسان لما نسيه في