الأنبياءَ بغير حق، مع أن قاتليهم هم آباؤهم، لأن فعل الآباء، ينسب إلى الأبناء إذا كانوا موافقين عليه أو لم ينكروه. أَو أنهم وصفوا بذلك، للإيذان بأن هذا شأنهم، وأنه متغلغل في دمهم، وأنهم لو وجدوا أنبياءَهم لقتلوهم، كما فعل آباؤهم.
ووصف قتلهم الأنبياء بأنه بغير حق، ليسَ للتقييد، بل للإيذان بأنه - دائِمًا - يكون بغير حق. فإن الأنبياء لا يرتكبون ما يوجبه أصلا، إذ هم معصومون من المعاصي مطلقا، فضلا عن عصمتهم عما يقتضي أن يقتلوا به.
والذين يأمرون بالقسط من الناس، هم أهل الحق من بينهم: الذين كانوا يأمرونهم بالمعروف، وينهونهم عن المنكر.
ولما كان هذا لا يرضيهم؛ لتأصل العصيان في نفوسهم - قتلوهم كما قتلوا أنبياءَهم، ليستريحوا من وعظهم وتذكيرهم ولومهم، وليخلُوَا لهم جو الفحشاء والمنكر.
روى ابن جرير عن أبي عبيدة بن الجراح، قال:"قلت يا رسول الله: أي الناس أشد عذابًا يوم القيامة؟. قال: رجلٌ قتل نبيًّا، أو رجلًا أمر بالمعروف ونهي عن المنكر" ثم قرأ الآية: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ … ).
وتبشيرهم بعذاب أليم: إخبارهم بعذاب شديد الإيلام.
ولما كان الإخبار بوعيد مؤلم يسمى إنذارًا، والإخبار بوعد سار يسمى تبشيرا، فإطلاق التبشير على ما هو إنذار، من باب التهكم والسخرية بأُولئك المجرمين الذين لا يعقلون.
وخلاصة المعنى: إن الذين ينكرون آيات الله تعالى، فيكفرون بما يجب الإيمان به، ويقتلون أنبياءَهم بغير جريمة تقتضي القتل - والأنبياء معصومون من كل جريمة تقتضيه - ويقتلون الواعظين المذكّرين الذين يأمرونهم بالعدل من صفوة الناس، فأنذرهم - يا محمد - بعذاب شديد الإيلام.
المعنى: أُولئك الموصوفون بالكفر، وقتل الأنبياء ومن يأمر بالقسط من الناس - هم الذين بطلت في الدنيا أعمالهم الصالحة: كالصدقة وصلة الرحم، فلم تستتبع آثارها المرجوة، حيث لم تحقن بها دماؤهم، ولم تحفظ بها أموالهم، ولم يستحقوا بها مدحا ولا ثناءً، ولم يكن لها حظ الاعتبار في الآخرة.