يرون أَنهم لا يؤْجرون على الشيءِ القليل إِذا أَعطوه، فيجيءُ المسكين إِلى أَبوابهم، فيستقلون أَن يعطوه التمرة والبسرة، فيردونه ويقولون: ما هذا بشيءٍ، إِنما نؤْجر على ما نعطي ونحن نحبه، وكان آخرون يرون أَنهم لا يلامون على الذنب اليسير، الكذبة، والنظرة، والغيبة، وأَشباه ذلك، ويقولون: إِنما وعد الله تعالى النار على الكبائر فنزلت الآيتان ترغبانهم في القليل من الخير أَن يعلموه، وتحذرانهم اليسير من الشر أَن يأْتوا به ويعملوه.
وقد كان الصحابة - رضوان الله عليهم - يتصدقون بعد نزول الآيتين بالقليل والكثير وبما عزَّ وهان، لا يدخرون في ذلك وسعًا، أُسوة برسول الله ﷺ فقد، أَخرج الزجاجي في أَماليه عن أَنس بن مالك أَن سائلا أَتى النبي ﷺ فأَعطاه تمرة، فقال السائل: نبي من الأَنبياء يتصدق بتمرة؟! فقال النبي ﷺ:(أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ فِيهَا مَثَاقِيلَ ذَرَّةٍ كَثِيرَةٍ) وجاءَ أَنه ﵊ قال: (اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَة).
والمعنى: فمن يعمل -من مؤْمن أَو كافر- خيرًا أَو شرًّا يَرَ جزاءَ عمله يوم الحساب، ولو كان ما عمله يعادل في القلة وزن ذرة أي: أَقل شيءٍ يعرفونه، قيل: هي النملة الصغيرة وقيل: هي واحدة الذر، وهو الهباءَ الذي يُرى في شعاع الشمس الداخل من كوة، وروى عن ابن عباس أَنه أَدخل يده في التراب ثم رفعها ثم نفخ فيها، وقال: كل من هؤلاء مثقال ذرة، كما روي عنه أَيضًا في شرح الآية أَنه قال: ليس مؤمن ولا كافر عمل خيرًا أَو شرًّا في الدنيا إلاَّ أراه الله إِيَّاه يوم القيامة، فأَما المؤمن فيرى حسناته وسيئاته، فيغفر الله له سيئاته -أَي: إذا كان مجتنبًا للكبائر- ويثيبه على حسناته، وأَما الكافر فيرى كذلك حسناته وسيئاته، فيرد الله حسناته، ويعذبه بسيئاته.
وقيل في معنى رد حسناته: إِنه لا يثاب عليها لكفره، وهو محبط للعمل، لكنه يخفف عنه العذاب؛ للأَحاديث الصحيحة، فقد ورد أَن حاتمًا يخفف عنه العذاب لكرمه، وأَن أَبا لهب كذلك لسروره بولادة النبي ﷺ وإعتاقه جاريته "ثويبة" حين بشرته بذلك، والحديث في تخفيف عذاب أَبي طالب مشهور كما قالوا، ويشيرون إِلى الحديث الذي روي بطرق في البخاري: حدثنا مسدد بسنده عن العباس بن عبد المطلب