ورزقهم وآمنهم؛ فلهذا أُمروا بعبادة ربهم المنعم عليهم بالرزق والأَمن، وقال الأَخفش:(لإِيلافِ قُرَيْشٍ) متعلق بآخر السورة التي قبلها، أي: فجعلهم كعصف مأْكول لإيلاف قريش، والقرآن كله كالسورة الواحده.
والمعنى: أهلك الله ﷾ من قصدهم من الحبشة، ولم يسلطهم عليهم؛ ليتسامع الناس بذلك فيتهييوهم زيادة تهيب، ويحترموهم فضل احترام، حتى ينتظم لهم الأَمن في رحلتيهم، فلا يجترئ أَحد عليهم.
أي: فلتعبد قريش ربها شكرًا له على أَنه جعلهم قومًا تجارًا لهم رحلتان: رحلة إلى اليمن شتاءٍ لجلب الأَعطار والأَفاويه، ورحلة في الصيف إلى الشام لجلب الأَقوات إِلى بلادهم، ولقد كان العرب يحترمونهم في أَسفارهم لأنهم جيران بيت الله وولاة الكعبة، فيذهبون آمنين ويرجعون سالمين، على كثرة ما كان بين العرب من السلب والنهب والغارات التي لا تنقطع، ولهذا ألفت قريش الأَسفار، وتعلقت بالرحيل طلبًا للرزق، وهذا الإجلال الذي ملك نفوس العرب للبيت الحرام ولجيرانه، إنما هو من تسخير رب البيت سبحانه ولقد حفظ الله حرمته فرد الحبشة عنه حين أَرادوا هدمه وأَهلكهم، قبل أَن ينقضوا منه حجرًا ولو نزلت مكانة البيت عند العرب ومكانة أهله وجيرانه، واستطالت الأَيدي عليهم لنفروا من تلك الرحلات وأَعرضوا عن هذه الأَسفار فقلت وسائل الكسب بينهم لأن أرضهم صحراءُ قاحلة وليسوا مهرة في الصناعات، فكانت تضيق عليهم مسالك الأَرزاق، وتنقطع عنهم ينابيع الخيرات.
٣ - (فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ):
أي: فليخصوا العبادة لرب هذا البيت الذي مكنهم مكن القيام بهاتين الرحلتين، ولا يشركوا به غيره، ويفردوه بالتعظيم والإجلال، وهذا البيت هو الكعبة التي حميت من