ما قيل: النظر إِلى المحسود وتوجيه نفسه الخبيثة نحوه على وجه الغضب، فإِن نفس الحاسد حينئذ تتكيف بكيفية خبيثة ربما تؤثر في المحسود، بحسب ضعفه وقوة نفس الحاسد، تؤثر شرًّا ربما يصل إِلى حد الإِهلاك، ورب حاسد يؤذي بنظره مثل ما تؤدي بعض الحيات بنظرهن، وذكروا أَن الحاسد والعائن -من يصيب الناس وتؤذيهم بالنظر إِليهم- يشتركان في أن كلًّا منهما تتكيف نفسه وتتوجه نحو من تريد أَذاه، إلا أَن العائن تتكيف نفسه عند مقابلة العين للمحسود والمعانية له، والحاسد يحصل حسده في الغيبة والحضور، وأَيضًا قد يعِين أَي:(يصيب بعينيه) من لا يقصد حسده من إِنسان أَو حيوان أَو زرع.
والحسد: هو تمني زوال النعمة عن الغير، والحاسد ممقوت عند الله وعند عباده، آتٍ بابًا من الكبائر، ويطلق الحسد على الغبطة مجازًا، وكان ذلك شائعًا في العرف الأَول: وهي تمني أَن يكون له مثل ما لأَخيه من النعمة من غير تمني زوالها من غيره، وهذا لا بأْس به إِذا كان في الخير، ومن ذلك ما صح من قوله ﷺ:"لا حسد إِلاَّ في اثنتين: رجل آتاه الله مَالًا وَسَلَّطَهُ عَلى هَلَكَتِهِ فِي الحَق، ورَجُلٍ آتَاهُ اللهُ الحِكْمَةَ فهُوَ يَقضِي بِهَا ويُعَلِّمُهَا لِلنَّاسِ" وإِنما خص هؤلاء الثلاثة: الغاسق، والنفاثات، والحاسد بالنص على الاستعاذة منهن -مع أَن قوله تعالى:(مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ) يشملهم- لأَن كلًّا منهم يَخْفَى أَمرُه ويعظم ضررُه ويلحق الشر بالإِنسان من حيث لا يعلم، كأَنما يغتال به، ولذا قالوا: شر العُدَاةِ: المُدَاجِي الذي يكيدك من حيث لا تشعر.