وإنما قال: رب الناس، ملك الناس، إِله الناس، وهو رب كل شيءٍ ومَلِك كل شيءٍ وإله كل شيءٍ؛ لأن الناس هم الذين أَخطأُوا في صفاته وضلُّوا فيها عن الطريق السَّوِيِّ، فجعلوا لهم أربابًا ينسبون إليها بعض النعم ويلجأُون إليها في دفع النقم، ولم يكتف بإظهار المضاف إليه الذي هو الناس مرة واحدة، بل كرر لمزيد الكشف والإيضاح والتقرير والتشريف بالإضافة. وقيل: لا تكرار؛ فإنه يجوز أن يراد بالعام بعض أفراده، (فالناس) الأول بمعنى الأَجِنَّةِ والأَطفال المحتاجين للتربية، و (الناس) الثاني: المراد بهم الكهول والشبان لأنهم المحتاجون إلى من يسوسهم، و (الناس) الثالث: الشيوخ المتعبدون المتوجهون إلى ﷿.
٤ - (مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ):
بيان للمستعاذ منه، أي: ألجأْ إليك رب الناس وملكهم وإلههم ومعبودهم أن تنجينا وتحفظنا من شر الشيطان الموسوس للناس، الكثير الخنوس والاختفاءِ؛ لأنه يأْتي من ناحية الباطل فلا يستطيع مقاومة الحق إذا صدمه، ولكنه يذهب بالنفس إلى أسوأ مصير إذا انجرَّت مع وسوسته، وانساقت معه إلى تحقيق ما خطر بالبال.
والمراد الاستعاذة من جميع شروره على البدن والنفس، وعُدَّ من شره -كما ورد في صحيح البخاري- أَنه يعقد على قافية رأس العبد إذا هو نام ثلاث عقد، مراده بذلك منعه من اليقظة للعبادة، وبعضهم عد منه التخبّط، إذِ الحق عند أهل السنة؛ أَن التخبط قد يكون من مسّ الشيطان، والخناس: المتواري المختفي المتأخر، إذا ذكر الله ﷿ أَمسك عن الوسوسة إلى أن تسنح له فرصة أُخرى، أخرج الحاكم وصححه، وابن المنذر وغيره: عن ابن عباس قال: "مَا مِنْ مَولُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى قَلْبِهِ الْوَسْوَاسُ، فَإِذَا عَقَلَ فَذَكَرَ اللَّهَ خَنَسَ، فَإِذَا غَفِلَ وَسْوَسَ، فَلِذَلِكَ سُمِّيَ الوَسْوَاسَ الخَنَّاسَ". ولقد وصف الله هذا الوسواس الخناس بقوله.
٥ - (الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ):
أي: الذي يلقى خفية في صدور الناس ما يصرفهم عن سبيل الحق والخير والرشاد، ويدعوها إلى الشر والفساد، قيل: أُريد بصدور الناس: قلوبهم، وإنما جعلت الوسوسة