رجائها، رب إني وضعتها أُنثى. قالت ذلك وهي لا تعلم بمكانة ما وضعته، والله وحده الذي يعلم بشأنها، وما علق بها من عظائم الأُمور ودقائق الأسرار. وقالت في تحسرها: وليس الذكر كالأُنثى في خدمة المسجد الأقصى، فإنها مقصورة على الغلمان دون الإناث فكأنها تقول: فماذا أصنع في نذري يا رب؟ ثم عطف على ذلك قولها:
دل هذا الكلام: على أنها - لما وضعتها - قالت ما تقدم. وأطلقت عليها اسم مريم في اليوم الذي وضعتها فيه. وهي السنّة في شريعتنا أيضا.
فقد أخرج الشيخان، عن رسول الله ﷺ، أنه قال:"وُلِدَ لِيَ الليلةَ ولدُ سمّيته باسم أبي إبراهيمَ" وأخرجا أيضا، عن أنس بن مالك:"أنه ذهب بأخيه حين ولدته أُمه إلى رسول الله ﷺ، فحنَّكه وسماه عبد الله".
لم تشأ أُم مريم أن ترجع في نذرها حَمْلها لخدمة البيت وبعادة الله فيه، بعد أن تحقق أنه أُنثى.
وكان أول شيء اتجهت إليه - في هذا الصدد - أن تسميها بالاسم المناسب لما أرادته في نذرها وهو مريم. فإن معناه: العابدة، في لغتها. وعقَّبت ذلك بضراعتها إلى الله: أن يعصمها ويحفظها وذريتها من الشيطان الرجيم، المطرود من رحمة الله. بحيث يكونون - جميعًا - في مرضاة الله وعبادته.
هذا، وقد قال بعض المتأخرين من المفسرين: إن مريم معرب مارية بمعنى جارية.