الخبيث هو يهوذا. وكان من الحواريين المنافقين. وهو الذي دلَّهم على مكانه. وذلك أن عيسى جمع الحواريين تلك الليلة. وأوصاهم وقال: ليكفرن بي أحدكم. فذهب يهوذا إلى ملك اليهود وأخبره بمكانه، ومكان حوارييه. فلما توجه إليه الملك برجاله ودخلوا عليه البيت، لم يجدوه، فقد رفعه الله إليه. وألقى شبه عيسى على يهوذا. فأمر الملك بقتله.
فقال له: أنا يهوذا. فقال الملك: إن كنت يهوذا فأين عيسى؟ فقال يهوذا: إن كنت عيسى فأين يهوذا؟ فلم يعبأ الملك بهذه المعارضة، وصلبه لشبهه بعيسى.
ومن العجيب أن النصارى لا يعترفون بهذا الإنجيل، مع أنه وجد بمكتبه باب روما، وترجم إلى اللغة الإيطالية، ثم إلى الإنجليزية، وغيرها من لغات العالم. ولم يوجد بالعربية إلا بعد ترجمته من الإنجليزية أخيرا!!
بل من الأعجب أن النصارى لا يعترفون بهذا الإنجيل لمجرد مخالفته لا هو عليه من الأناجيل الأُخرى .. وليس ما عندهم من تلك الأناجيل ما هو أولى بالتصديق منه، لأنها ليس فيها ما يرجحها عليه، بل إن العكس هو الصحيح.
هذا هو مكر بني إسرائيل بعيسى، وإكرام الله له بإنجائه من مكرهم، وعقابه المنافق بقتله، بعد إلقاء شبه عيسى عليه!!
والمكر لغة: هو تدبير خفي، يقصد به إضرار لمن يُمكر به، ولا يطلق على الله إلا بأسلوب المشاكلة المعروف في علم المعاني. وهو التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته.
وقد أُطلق هنا على إنجاء الله لعيسى. وانتقامه من المنافق، لوقوعه في صحبة مكرهم. هكذا قالت طائفة من العلماء.
وقال غير واحد: المكر هو التدبير المحكم. وهو ليس بممتنع على الله تعالى؛ وفي الحديث الشريف:"رَبِّ أَعِنَّي ولَا تُعِنْ عَلَيَّ … وامكُرْ لي ولا تمكر علي (١) ".
ثم ختم الله الآية بقوله:(وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ):
أي أقواهم، وأشدهم مكرا. أو أنه أحسنهم مكرا، لبعد تدبيره عن الظلم.
(١) من حديث رواه: أحمد، والحاكم، والترمذي، وغيرهم.