للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الجبائي: نزلت في اليهود والنصارى. ورجحه بعض المحققين، لعموم الخطاب لهما. وإن كان السياق مع الرأي الأول.

والمعنى: قل يا محمد لأهل الكتاب: أقبلوا إلى منهج موحد في العبادة: يستوي فيه المسلمون والنصارى واليهود. تسلكه جميعا. ولا نعدل عنه إلى سواه.

وهذا المنهج هو: (أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا) لا صنما ولا كوكبا ولا نارا ولا ملائكة ولا غير ذلك. (وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ): فلا يتخذ اليهود عزيرا ابنًا لله. ولا يتخذ النصارى المسيح ابنًا لله. ولا يقولوا: إنه ثالث ثلاثة، لتستووا بذلك مع المسلمين الذين لا يتخذ بعضهم بعضا أربابا من دون الله، فإن هذا المنهج التوحيدي - كما دعا إليه القرآن - دعت إليه التوراة والإنجيل قبل تبديلهما. ولا تزال فيهما نصوص كثيرة تدعو إلى التوحيد: تركتموها وعملتم بنصوص أُخرى: اصطنعتموها، أَوْ أَسأَتم تَأويلها.

وكما دعت إلى التوحيد هذه الكتب الثلاثة - دعا إليه جميع الرسل. قال تعالى: "وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ" (١) فهو مبدأ مشترك بين جميع الأديان: قامت عليه الأدلة العقلية، إلى جانب الأدلة النقلية.

ومن اتخاذ البشر أربابًا: أن يأخذ تابعوهم بآراء متبوعيهم في تحليل أو تحريم، دون استناد إلى نص إلهي.

أخرج الترمذي - وحسنه - من حديث عدي بن حاتم: أنه لما نزلت هذه الآية قال: ما كنا نعبدهم يا رسول الله، فقال : "أما كانوا يحللِّون لكم ويحرّمون فتأخذون بقولهم". قال: نعم. فقال : "هو ذاك".

وإلى هذا المعنى، أشار قوله تعالى: "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّهِ" (٢).

وقد جاء في أسفار العهد القديم: نصوص عديدة .. ناطقة بتوحيد الله وتنزيهه عن الشريك (٣).


(١) الأنبياء: ٢٥.
(٢) التوبة: ٣١.
(٣) راجع سفر الخروج فقرة (٦) وفقرة (١٦) وفقرة (٩) من سفر أشعيا.