بما أيد به رسوله من الآيات البينات، وأورثه الطمأنينة التامة في قلبه، وحفظه من كيد الكائدين، وكشف له دسائسهم ومؤَامراتهم.
وأما قوله تعالى:(أَن يُؤْتَى أَحَدٌ مِّثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ) فهو مما أمر الله رسوله أن يقوله لليهود.
وفي الكلام جملة مقدرة يقتضيها المقام. والتقدير: أتكيدون هذا الكيد كراهة أن يؤتى أحد مثل ما أُوتيتم، أو يحاجوكم به عند ربكم؟!
والمعنى على هذا: قل لهم يا محمد: إن الهدى هدى الله. أتفعلون ما تقدم من أمركم أتباعكم بالإيمان أول النهار والكفر آخره، وألَّا يُذيعوا للمسلمين نعت محمد في كتابكم، كراهة أن يُعطَى أحد مثل ما أُعطيتم من النبوة والكتاب، أو أن يحاجوكم بما أُوتيتم من كتاب عِندَ ربكم، بأن يقولوا لكم: تعالَوْا نَحْتَكِمْ إلى الله تعالى بقراءة كتابه الذي أنزله على موسى، ليظهر ما كتمتموه من نبوة محمد ﷺ وليَعْلُوَا بذلك حقهم على باطلكم، فقد جاءَت فيه بشاراته فأخفيتموها حقدا وحسدا؟! قل لهم يا محمد، إن الفضل بيد الله: يمنحه من يشاءُ. فلماذا تحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله، وتخصون بني إسرائيل وحدهم بفضله، والله واسع الفضل فلا يضيق على أحد من أهل الاستحقاق، بليغ العلم فهو أعلم حيث يجعل رسالته؟!
وقد حكت سورة البقرة عنهم مثل تلك المؤامرة. فقد زَجُّوا جماعة منهم لينافقوا بالإيمان، وحذروهم من أن يخبروا المؤمنين بشيءٍ من صفات الرسول في التوراة، حتى لا يحاجوهم به، فلما أخبروهم بها، أنكروا عليهم ما فعلوا، وذلك ما حكاه الله فيها بقوله:"وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ"(١).
ويرى بعض المفسرين: أن الآية - كلها - يمكن أن تكون خطابًا من الله للمؤمنين على جهة التثبيت لقلوبهم وتنوير بصائرهم، وحفظهم من تشكيك اليهود، وتزويرهم في دينهم.