فقال لي رسول الله ﷺ: أَلَكَ بَيِّنَةُ؟ قلت: لا. فقال لليهودي: احلف. فقلت: يا رسول الله، إذ يحلف فيذهب مالي. فأنزل الله تعالى:(إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ … ) الآية.
وما أخرجه ابن جرير، عن عكرمة قال: نزلت هذه الآية في أبي رافع ولبابة بن أبي الحقيق، وكعب بن الأشرف، وحيي بن الأخطب: حرّفوا التوراة، وبدّلوا نعت رسول الله ﷺ، وحكم الأمانات وغيرهما، وأخذوا على ذلك الرشوة.
والمعنى: إن الذين يستبدلون بما عاهدهم الله عليه، من بيان نعت محمد وعدم كتمانه، ويعتاضون عن أيمانهم الكاذبة الفاجرة، بالأثمان القليلة من أعراض الدنيا الزائلة - مهما عظمت - أُولئك لا نصيب لهم في ثواب الآخرة، ولا حَظَّ لهم في نعيمها.
(وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ): كلامًا فيه لطف بهم.
(وَلَا يُزَكِّيهِمْ): أي لا يطهرهم من دنس الذنوب بالمغفرة. بل يأمر بهم إلى النار. ولهم عذاب أليم على الكتمان، واستبدالهم عهد الله، والحلف زورًا، واستحلالهم أخذ المقابل على التزوير.
قال القرطبي: وقد دلت هذه الآية والأحاديث على أن حكم الحاكم لا يحل المال في الباطن بقضاء الظاهر، إذا علم المحكوم له بطلانه.
وفي الحديث الصحيح عن أُم سلمة، قالت: قال رسول الله ﷺ: "إنكم تختصمون إلىَّ، وإنما أنا بشر، ولَعَلَّ بعضَكُم أن يكونَ أَلْحَنَ بحجتِه مِن بَعْضٍ، فَأَقْضِيَ له على نحو ما أسمع. فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار .. فليأخذها أو ليتركها"(١).