واذكر يا محمد، لأهل الكتاب، كيف أخذ الله العهد على النبيين جميعًا: لئن آتيتكم من كتاب تبلغونه لأُممكم، وحكمة - أي نبوة ورسالة إليهم - ثم جاءَكم رسول مصدق لما معكم لتصدقُنَّ بأنه مرسل من عندي إلى الناس، ولتنصرنه بالتبشير به، وحض أُممكم على أن تؤمن به، إذا بُعِث إليهم، وتنصره وتؤَيده فيما جاءَ به؟
قال تعالى لهم بعد أخذ الميثاق عليهم: هل أقررتم بالإيمان به ونصرته وأخذتم على ذلكم عهدي وقبلتموه لتنفذوه وتعملوا به؟ قالوا: أقررنا ووافقنا. قال الله تعالى: فليشهد بعضكم على بعض بهذا الإقرار، وأنا معكم من الشاهدين على إقراركم، وشهادة بعضكم على بعض.
والمراد من الرسول الذي يجيئهم مصدقًا لما معهم: كل رسول يعاصرهم أو يأتي بعدهم. فالآية الكريمة، تفيد: أن الله تعالى، أخذ الميثاق على الأنبياء: أن يصدق بعضهم بعضا ويؤيده ولا يعارضه، ويوصى باتباعه. فإن دين الجميع واحد. قال ﷺ:"الأَنبِيَاءُ بَنُو عَلَّاتٍ (١) أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ".
وبعموم الرسول، أخذ سعيد بن جبير وقتادة وطاووس والسدي والحسن. وهو ظاهر الآية. قال طاووس: أخذ الله ميثاق الأَوّل من الأنبياء: أن يؤمن بما جاءَ به الآخر.
ومن العلماء قال: المراد من الرسول، هو محمد ﷺ، وهو الأرجح، وبه قال الإمام عليّ ﵁.
فقد أخرج عنه ابن جرير قال:"لم يبعث الله تعالى نبيا، آدم فمن بعده، إلا أخذ عليه العهد في محمد صلى الله تعالى عليه وسلم: لئن بعث - وهو حي - ليؤمن به ولينصرنه. ويأمره فيأخذ العهد على قومه" ثم تلا الآية.
وسواءٌ أكانت الآية عامة في تأييد جميع الرسل بعضهم لبعض، وحث أُممهم على اتباعهم، أم خاصة بتأييدهم لنبوة محمد ﷺ، ونصرته بحَثِّ أُممهم على تأييده إن بعث - فالغرض من الآية: أن محمدًا ﷺ وقد أيده الله بالمعجزات المحققة لرسالته، وجاء مصدقا لما مع الأنبياء قبله، فهو مؤَيد من المرسلين قبله. وأن على أهل الكتاب المعاصرين له: أن يؤمنوا به، امتثالا لما جاءَ عنه في كتب رسلهم. فإن كتب المرسلين توصي بالإيمان بكل رسول.
(١) أي بنو ضرات، رواه الشيخان من حديث أوله: "أنا أولى الناس بعيسى بن مريم … ".