ثم أفصح عن غايتهم من جحودهم وكفرهم، فقال سبحانه مِنْ قائل:
﴿تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾:
أي تريدون أَن تكون سبيل الله معوجة، وأنتم تشهدون أنها لا تحوم حولها شائبة اعوجاج.
ثم ختم الآية بقوله تعالى:
﴿وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ﴾: وفي هذا من التهديد والوعيد ما لا يخفى.
ولمَّا كان كفرهم صريحًا ظاهرًا، ختمت الآية الأُولى بشهادة الله تعالى على ما يعملون.
ولما كان صدهم للمؤمنين، بطريق السر والخفية، ختمت الآية الثانية بما يحسم حيلتهم من إِحاطة علمه ﷾ بأعمالهم.
١٠٠ - ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾:
المعنى: قال ابن كثير: يحذر الله ﵎، عباده المؤمنين، من أن يطيعوا طائفة من أهل الكتاب، الذين يحسدون المؤمنين على ما آتاهم الله من فضله، وما منحهم من إرسال رسوله. كما قال تعالى: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِم. . .﴾ (١) الآية. وهكذا قال ههنا: ﴿إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ﴾:
١٠١ - ﴿وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ. . .﴾ الَاية.
هذا استبعاد لوقوع الكفر منهم.
والمعنى: كيف يقع منكم الكفر -أَيها المؤمنون- بسبب إِغواءِ الكافرين لكم، وعندكم ما يعصمكم منه، فإن آيات الله تنزل عليكم من آن لآخر. وفيكم رسوله يبلغها إليكم- ويبينها لكم - على أتم وجه.
ومن كانوا كذلك، فلن يتأَثروا بإغواءِ الكافرين، مهما كان هذا الإِغواء!
(١) البقرة: من الآية ١٠٩.