هذه هي الصفة الرابعة من صفات المتقين. عطفت على ما قبلها. وقوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾: جملة متوسطة بين المعطوف والمعطوف عليه: مشيرة إلى ما بينهما من التفاوت في الفضل. فإِن درجة الأَولين من التقوى أَعلى، وحظهم أَوفى.
ويجوز أن يكون: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾ معطوف على ﴿الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ﴾ فكأنه لما ذكر الصنف الأَعلى من المتقين. وهم: المتصفون بتلك الأوصاف الجميلة - ذكر من دونهم فقال:
﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً﴾:
أي - أتَوْا بمعصية تفاقَمَ قبحها، وعَظُمَ شرُّها وخطرها.
﴿أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾:
أي جَنَوْا على أَنفسهم بارتكاب أي ذنب من الذنوب الكبائر أَو الصغائر.
﴿ذَكَرُوا اللَّهَ﴾:
أي تذكروا عظمته وجلاله، وحقه في أن يُعْبَدَ ولا يُعصَى، وأنه الذي يقبل التوبة عن عباده، ويعفو عن السيئات.
﴿فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ﴾: عقب تَذَكرِهم لله.
والمراد بالاستغفار: الإقلاع عن الذنب، والندم على فعله، والعزم على عدم معاودته، ورد المظالم لأَصحابها.
أَما التوبة بمجرد اللسان، فتلك توبة الكذابين.
وفي مثل هذه التوبة الكاذبة، يقول بعض العارفين: استغفارُنا هذا يحتاج إلى استغفار.
﴿وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ﴾:
أَي لا أَحد يقبل توبة التائبين، ويعفو عن العاصين، غيره سبحانه.
وفي هذا دعوة منه تعالى، إلى الالتجاءِ إليه، وطلب عفوه ومغفرته؛ لأنه لا ملجأَ ولا مَنْجى منه إِلا إليه، ولا حيلة للمذنب إلا طلب فضله - سبحانه - والتماس رحمته.