للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

المسلمين، مَنْ لبس ثوب الصديق، واستتر فيما بينهم، فعاملوه معاملة المخلص، وكاشفوه بالأسرار - وهو يدبر لهم أسباب المعاطب في الخفاء، ويباطن أعدائهم بالولاء - فلا بد أن يدبر الله من أسباب المحن، ما يفضح به نفاق المنافقين ويكف به ستر المرائي، ويظهر به إخلاص المخلصين، وصبر المستيقن وبلاءه: في سبيل دينه ورسوله وربه. فلذا جاءت تلك المحن في غزوة أحد. فكشفت للنبي ، حجم النفاق ومداه، بما كان من رجوع ابن أبي - رأس النفاق - وثلاثمائة ممن كانوا على مذهبه، وإشاعته - وبعض من حضر منهم الموقعة - أكذوبة قتله التي زعمها ابن قميئة المشرك. وقول بعضهم: علام نقاتل وقد قتل محمد؟ ودعوتهم إلى أخذ الأمان من أبي سفيان، والرجوع إلى ما كانوا عليه من كفر. وقول بعض آخر: لو كان محمد نبياً لما قتل. وإلى غير ذلك مما كشف الله به أستارهم. كما كشفت تلك الغزوة للنبي أيضاً: صدق المخلصين، واستبسالهم في الدفاع عنه وعن الإسلام الذي دانوا به، ورجوعهم إليه بعد فرارهم من نبال المشركين، وشدة حملتهم عليهم. وذلك بعد أن علموا: أنه حيٌّ لم يمت - كما أشاعه المنافقون. فقد ناداهم النبي قائلاً: إليّ عباد الله، فلبَّوا سراعاً، وبالرغم مما بهم من جراح: فرحين ببقائه بين ظهرانيهم: يقودهم في دعوة الإسلام، حتى يظهره الله على الدين كله.

فكما استبان بذلك أمر المنافقين للرسول، استبان به - كذلك - إخلاص المؤمنين الصادقين. وبذلك تحقق ما أراده الله من أغراض هذا الامتحان. وهو أن يتميز الخبيث من الطيب.

والأثر المترتب على ذلك: أن يعرف المخلصون بعضهم بعضا، ويتماسكوا. وأن يحذروا المنافقين الذين هُتكَتْ أستارهم، وعرفت أسماؤهم. وحقيقة نواياهم.

ولا شك أن ذلك له أثره في مستقبل الدعوة الإسلامية.

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾: