أو اصطدام، وتوالي ملايين الدهور عليهما بغير خلل ولا فساد، وأداء كل جزء منهما، وكل نجم أو كوكب لما نيط به من النافع - إن في هذا: ﴿وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ﴾ وتعاقبهما على سطح الأرض، كل منهما خلفًا للآخر، حسب تدبير الله لأرضنا الكروية، إذ جعلها تدور تحت أشعة الشمس، فيعم ضوؤُها نصف الأرض المقابل لها، وينعم أهله بنور النهار، فينشطون ويباشرون شئون معاشهم. ويظلم النصف الآخر الذي لا يقابلها، فيسكن أهله ويستريحون. ثم ينعكس الأمر عندما يكون النصف الآخر مقابلا لأشعتها. وهكذا دواليلك .. ويجوز أن يكون المراد من اختلافهما: تفاوتهما طولا وقصرًا، حسب الفصول الأربعة التابعة لوضع الأرض من الشمس، وحسب البعد عن القطبين أو القرب منهما، أو اختلافهما نفعًا أو حرارة، أو غير ذلك من وجوه الاختلاف - إن في كل هذا التدبير المحكم العجيب:
﴿لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ﴾:
أي: لَدلائل عظيمة لأَصحاب العقول الخالصة من ظلمة الجهل والتقليد. فإنهم - بالنظر اليسير في بدائع خلق السموات والأرض، وقوانينه وضوابطه ونظمه - يصلون إلى الجزم بوجود صانع حكيم، ومالك واحد لهذا الملك العظيم: أحكم التدبير، وأتقن التقدير، وأنه لا بد أَن ينتهي إليه المصير، فيحاسب كل امرئ على ما كسب من خير فيثيبه، أو شر فيعاقبه.
ورحم الله الشيخ أبا سليمان الداراني، إذ يقول: إني لأخرج من منزلي فما يقع بصري على شيء، إلا رأيت لله عليَّ فيه نعمة، ولي فيه عبرةً (١).