ورأى ابن عباس: أَن يضاف إلى ذلك الضرب، وهذا الإيذاءُ عقوبة للزناة من الرجال: أبكارًا كانوا أو غير أبكار. وكذا للزانيات من النساء، ثيبات وأبكارًا، فوق عقوبة الحبس الخاصة بهن.
فالإيذاء: عقوبة مشتركة بين الجنسين، بعد ثبوت الزنى عليهما بأربعة شهداء استكملوا الشروط السابقة، ومثل ثبوته بهؤُلاء الشهود، ثبوته بالإقرار. فهو سيد الأدلة. وقد ثبت بالسنة.
﴿فَإِنْ تَابَا﴾: أي إن رجع الزانيان من الفريقين عن جريمتهما بعد الإيذاء. ﴿وَأَصْلَحَا﴾: عملهما وسلوكهما، وظهرت الاستقامة عليهما. ﴿فَأَعْرِضُوا عَنْهُمَا﴾: فاقْبَلوا توبتَهما، وكفُّوا الإيذاءَ عنهما. وتبقى عقوبة الحبس على الزانيات بعد توبتهن؛ احتياطًا للأعراض.
﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾: أي إن الله كان ولا يزال، عظيم التوبة على عباده، واسع الرحمة بهم.
وإنما اختص النساءُ - أول الإِسلام - بعقوبة الحبس دون الرجال؛ لأن الرجل هو عائل الأسرة، والقَوَّام عليها. فلو حُبِس حتى يموت، لكان في ذلك ضياعٌ واسع المدى لأسرته. والله لا يرضى بذلك.
وقد بقيت عقوبة الزنى على النحو السابق: الإيذاءُ للرجال والنساء. والحبس للنساء خاصة حتى الموت. حتى جعل الله لهن السبيل الذي وعد به. فيما رواه الإِمام أحمد، وأبو داود ومسلم والترمذي، عن عبادة بن الصامت، عن النبي صلى الله عليه رسم، قال:"خُذُوا عَنِّي. خُذُوا عَنِّي .. قَدْ جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا؛ البِكْرُ بِالْبكْرِ: جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَام. وَالثَّيِّبُ بِالثيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ".
وقد نسخ جلد الشيب الوارد في الحديث بما فعله النبي ﷺ مع ماعز والغامدية، فإنه رجمهما ولم يجلدهما مع أنهما ثيبان وبقيت على الثيب عقوبة الرجم.
وبذا، تكون عقوبة الحبس - التي شرعت أول الإسلام - قد انتهت بتشريع الرجم للمحصن والجلد لغيره، ذكرا كان أم أنثى.