وعلى هذا، فقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أُحْصِنَّ﴾ ليس جاريا مجرى الشرط في تنصيف الجلد، كما فهمه البعض. وبنى عليه أن الأمَةَ لا تحد إلا إِذا زنت بعد زواجها، وإِنما هو لدفع توهم أن التزوج بغير حدهن من الجلد إِلى الرجم كالحرائر.
والذي يدل على ذلك، ما رواه البخاري ومسلم، عن زيد بن خالد الجهني، أن النبي ﷺ، سئل عن الأمَة إذا زنت ولم تُحْصَنْ، فقال:"اجلِدُوهَا، ثُمَّ إن زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا، ثُم إنْ زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا. ثُم بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ" أي بحبل مضفور من الشعر.
وإِنما كان حد الأمة المتزوجة الجلد، وعلى النصف من حد البِكر الحرة؛ لأن جريمة الزنى عن الأمة أخف منها بالنسبة للحرة؛ لأن الأمَة ضعيفة، ولا تستطيع الوصول إِلى تحصين نفسها كما تصل إليه الحرة.
﴿ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ﴾:
معناه: أن الزواج بالأمة المملوكة للمسلم الحر - عند عدم الطول - إنما هو لمن خاف الوقوع فيما يشق عليه. وهذا بخلاف من لا يخشى المشقة من الأحرار المسلمين.
ويؤخذ من منطوق هذه الآية الكريمة: أن زواج الحر بالأمة مباح، بشروط ثلاثة:
١ - أن يخاف على نفسه المشقة إذا لم يتزوج.
٢ - وألا يجد من المال، ما يمكنه من تحمل تكاليف الزواج بالحرة.
٣ - وأن تكون الأمَة مؤمنة.
وبهذا الظاهر أَخذ جماعة من العلماءَ، منهم الشافعي، ﵃.
ومن العلماء من قال بعدم اشتراط شيء من ذلك. ومنهم أبو حنيفة ﵁ فهو يرى أَن هذه الشروط الثلاثة، إنما هي لمجرد الإرشاد إلى ما هو الأَفضل والأولى بالمؤمنين.