هاتان الآيتان الكريمتان، بيان لحال من لا يحبهم الله من المختالين الفخورين. وهم - على ما صرحت به الآيتان - صنفان:
الأول: صنف أَحب المال لذاته، فبخلَ به وأَمر غيره بالبخل، فلم يعط منه فقيرًا ولم يصل به رحمًا ولم يفرِّج به عن مكروب. وبالغ فأَمر الناس بذلك أَيضا.
وفي هذا يقول الله تعالى:
﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ … ﴾ الآية.
أي الذين يبخلون بأَموالهم فلا ينفقونها في وجوه البر والإِحسان، ولا يكتفون بهذا، بل يأمرون غيرهم بالبخل، ويحرضونهم عليه.
﴿وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾:
أي: يخفون ما أَنعم الله به عليهم، حتى لا يطمع الناس في نوالهم وإِحسانهم.
﴿وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا﴾:
أي: وأَعددنا لهم عذابًا مخزيا مذِلا لكبريائهم.
وسماهم الله كفارًا، وإِشعارًا بأَن من هذا شأْنه، فهو كافر بنعم الله. وله - جزاء ذلك - عذاب يهينه ويخزيه.
روى الإِمام أَحمد بسنده أَن رسول الله ﷺ قال: "إذا أَنعَمَ الله عَلَى عَبْدِهِ نِعْمةً أَحَبَّ أَن يُظْهِرَ أَثَرَهَا عَلَيهِ".
أما الصنف الثاني: فهم الذين ينفقون أَموالهم للفخار وطلب الثناءِ من الناس، لا ابتغاءَ وجه الله. وفيهم يقول الله تعالى:
٣٨ - ﴿وَالَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ رِئَاءَ النَّاسِ … ﴾ الآية.
أي ولا يحب الله - كذلك - الذين ينفقون أَموالهم للرياء وللسمعة، لا شكرًا لله على نِعَمه، ولا اعترافا بما أَوجب الله عليهم من حق في أموالهم.
﴿وَلَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ﴾:
أي لَا يؤْمنون بالله، ولا يصدقون بوُقوع اليوم الآخر، وما فيه من ثواب وعقاب.
لأَنهم لو آمنوا بالله واليوم الآخر، لتحرَّوْا مرضاة الله، ولما راءَوْا أَحدًا أَبدًا.