ناداهم ﷾ بوصف كونهم أهل كتاب - ليحملهم على الإِقلاع عما هم عليه؛ وليزيد في تقريعهم والتشنيع عليهم، فإِن كونهم أهل كتاب، يقتضى مسارعتهم إلى الهداية، لا تماديهم في الضلال. كما وصف المُنْزَلَ - وهو القرآن الكريم - بأنه مصدق لما معهم، وموافق لما في كتابهم، مما يدعو إلى المبادرة بتصديقه، لا إِلى الطعن فيه، والوقوع في تكذيبه، فإِذا عاندوا بعد ذلك، وخرجوا على حكم العقل والنقل، كانوا مستحقين لأَشد العذاب. ولذا هددهم بقوله:
أي من قبل أن نضلهم إضلالًا لا يهتدون بعده. وهو مثلٌ ضربه الله لهم في صرفهم عن الحق، وردهم إِلى الباطل، ورجوعهما عن الطريق الواضح المستقيم، إِلى الطريق المعوج.
فالطمس والوجه والرد على الأدبار، لإيراد بها حقيقتها، كما قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ (١).
لما كانت جرائم أهل الكتاب - لشناعتها وكثرتها - مظِنة عدم المغفرة، ولو تابوا منها، جاءَت هذه الآية الكريمة، لإبعاد اليأس من رحمة الله ومغفرته عمن آمن، وتهديد من لم يؤْمن. فقال تعالى: