الشر ولا ينزجر. والبر: يتناول جميع أصناف الخير، فيشمل عبادة الله، والإحسان للاقارب والغرباء، وغير ذلك.
والخطاب لعلماء اليهود، فإنهم كانوا يأمرون الناس بالخير ولا يفعلونه. ومن ذلك أنهم كانوا يأْمرون بالصدقة ولا يتصدقون.
﴿وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ﴾: النسيان؛ السهو الحادث بعد العلم، والمراد به هنا: الترك؛ لأَن أحدا لا ينسى نفسه، بل يحرمها من البرويتركها، كما يتْرك الشئ المنسى، مبالغة في الغفلة وعدم المبالاة بما ينبفى أَن يفعله في حقها.
﴿أَفَلَا تَعْقِلُونَ﴾: هذا استنكار واستهجان لعدم تعقلهم؛ إذ نصحوا سواهم وتركوا أنفسهم. والعقل في الأصل: المنع والإمساك. سمى به النور الروحى، الذي به تدرك العلوم الضرورية والنظرية، لأنه يمسك النفس؛ ويمنعها عن تعاطى ما يقبح، ويعقلها على ما يحسن.
ومعنى الآية: لا ينبغى لكم يا بني إِسرائيل. أن تامروا الناس بخصالْ الخير. وتتركوا أنفسكم فلا تزكوها بصفات البر، وأَنتم تتلون كتاب التوراة: التي توجب البر على النفس وعلى الناس، (أَفَلَا تَعْقِلُونَ) قبح صنيعم شرعا لمخالفته ما تتلونه في التوراة، وعقلا؛ لأن تطويع النفس للبر والخير يجب عقلا أن يسبق تطويع الناس لهما، فإن الناس لا يأخذون كرائم الأخلاق، ولا يعملون بها إلا إذا رأوا الدعاة إليها يعملون بها قبل غيرهم.
لما أمرهم الله ﷾ بترك الضلال والإضلال، والتزام الشرائع- وكان ذلك شاقا عليهم لما فيه من مخالفة الطبع، وحب الرياسة والجاه والمال - طلب منهم أَن يستعينوا بالصبر والصلاة، فإنهما كفيلان بتذليل الصعاب وإزاله العقبات التي تعترض في سبيل الهدى والبر المأْمور بهما.
والصبر: ضبط النفس والسيطرة عليها، بحيث تحتمل ما تكره انتظارًا للفرج، وتمننع عن لذائذها وشهواتها إن لم تكن من حقها.