للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد تنزل البلية بالمؤمن ابتلاءً واختبارًا ورفعًا لدرجاته. كما في الحديث: "أشَدُّ الناسِ بَلاءً الأنبياءُ، ثم الأمثل فالأمثل، يُبْتَلَى الرجلُ على حسبِ دينه، فإِن كان في دينه صُلْبا، اشتد بلاؤُه، وان كان في دينه رِقَّةٌ، ابْتُلِيَ على قَدْرِ دينه. فما يبرحُ البلاءُ بالعبدِ، حتى يتركه يمشي علَى الأرضِ وما عَلَيْه خَطِيئَةٌ" (١).

وقد تنزل المصائب بالمؤْمن: تكفيرا لما عساه يكون قد وقع من الذنوب؛ كما جاءَ في قوله : "ما يصيب المسلمَ: من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ، ولا همٍّ ولا حَزَنٍ، ولا أَذى، ولا غمٍّ - حتى الشوكة يُشاكُها - إِلا كفَّر اللهُ بها من خَطَاياه" (٢).

وقد أُضيفت السيئة إلى الله تعالى في قوله: ﴿قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ﴾، على جهة خلقه لها. وإيجاده إياها، وأُضيفت إلى العبد في قوله تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ﴾. على جهة تسببه فيها بما اقترفه من المعاصي والآثام - وإِن كانت مخلوقة لله تعالى.

وبهذا التوجيه تلتقي الآيتان الكريمتان في معنى واحد.

والخطاب في هذه الآية، عام موجه إلى كل واحد من الناس، كما أَن المراد: جميع الحسنات وكل السيئات.

وليس في أسلوب الآية، ما يدل على أَن النعمة لا تصيب إلا المحسنين، فقد يصيب الله بنعمته من يشاء من غير المؤْمنين. كما قال تعالى: ﴿ … نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاءُ … ﴾ (٣) إذ المراد بالرحمة: النعمة التي لا تكون في مقابلة عمل من الأعمال. وليس فيها أَيضا، ما يفيد أَن المعصية تستلزم نزول البلية ممن عصى حتما. فإِن الله يعفو عن كَثِير. كما قال تعالى: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ (٤)، بل إن كثيرا من الكفار يعيشون في الدنيا في رغد من العيش مترفين منعمين، دون أن تنزل بهم أية مصائب طول حياتهم. قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ﴾ (٥).


(١) رواه أحمد في مسنده، والبخاري، والنسائي، وابن ماجة عن سعد.
(٢) رواه أحمد في مسنده، والبخارى ومسلم عن أبي سعيد وأبي هريرة معا.
(٣) يوسف، من الآية: ٥٦.
(٤) الشورى، الآية: ٣٠.
(٥) محمَّد، من الآية: ١٢.