للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي هذا - من التعنيف لهم، وبث الرعب في قلوبهم - ما لا يخفى.

﴿فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا﴾:

أي: فتوَلَّ عنهم - يا محمَّد - ولا تهتم بتدبيرهم وكيدهم، ولا تأْبَهْ بهم ولا بمؤَامراتهم، وفوض أمرك إلى الله - وحده - فهو يكفيك أمرهم، ويجنبك شرهم. وكفى بالله ولِيًا، وكفى بالله نصيرا: ﴿وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ﴾ (١).

والأسلوب ظاهر الدلالة على تحقير شأْنهم، والاستهانة بمؤامراتم التي عصم الله - سبحانه - رسوله منها.

وليس معنى التوكل على الله، أن يترك الإِنسان الأخذ بالأسباب. فهذا هو التواكل، وهو مذموم. وإِنما المراد به، الأخذ بالأَسباب مع تفويض الأمر إلى الله، والاعتماد عليه.

٨٢ - ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾:

تثبت هذه الآية: أن القرآن من عند الله، وتطالبهم أن يتدبروه بيقظة وانتباه، وتنكر عليهم عدم تفكرهم فيما فيه من موجبات الإِيمان به، وتحضهم على التأَمل فيه.

والمعنى: أَيعرض هؤلاء المنافقون عن القرآن، فلا يتأَملون فيه، ليعلموا أَنه من عند الله؟!. فلو تدبروه وتبصروا ما اشتمل عليه من المعاني الصادقة، لأيقنوا أَنه من عند الله لا من عند غيره؛ لأَنه كتاب أُحْكِمَتْ آياتُه، لا عِوَجَ فيه. وهو فوق طاقة البشر أَجمعين. فأخباره كلها صادقة: سواءٌ ما يتناول منها الغابر السحيق، أو المستقبل البعيد، أَو ما كشف به كيد المنافقين.

﴿وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا﴾:

أي: ولو كان هذا القرآن من كلام البشر: مؤَلفا من عندهم - كما كانوا يدعون حين قالوا: ﴿إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ﴾ (٢) - لوجد الناس فيه تناقضا كثيرا. ذلك لأن طاقة البشر، لا تستطيع الإِتيان بهذا الكمال، في بيان العقائد والعبادات، والمعاملات والأخلاق، والإخبار الصادق عن الماضي والمستقبل، وعالَم الغيب، وما يجرى فيه … كل ذلك في أُسلوب بديع متقن، بلغ الغاية في الكمال والتحدي.


(١) الطلاق، من الآية: ٣.
(٢) النحل، من الآية: ١٠٣.