ومعنى كونها كبيبرة: أنها صعبة ﴿إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ﴾: وهم المتواضعون الخاضعون بقلوبهم.
وإنما لم تثقل عليهم لأنهم يرونها حقًّا لله، ويتوقعون حسن الجزاء عليها، فتهون عليهم.
ولذا قيل: مَن عَرَف ما يطلب، هان عليه ما يبذل، ومن أَيقن بالخلف، جاد بالعطية.
والخشوع: حالة فى النفس، تستتبع في القلب التسليم لأحكام الله، وفي الجوارح السكون والتواضع على الوجه اللائق. والخشوع المتكلف- بالتباكي وطأْطأَة الرأس- مذموم شرعا. فهو من الرياء، يفعله الجهال؛ لِيُرَوا بعين البر والإجلال.
ولهذا قال عمر لشاب نكس رأسه:"يا هذا، ارفع رأسك" فإن الخشوع لا يزيد على ما في القلب.
٤٦ - ﴿الَّذِينَ يَظُنُّونَ … ﴾ الإَلة.
الظن هنا: بمعنى العلم والتيقن، ومنه قوله تعالى: ﴿إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيَهْ﴾ (١) وقيل: الظن بمعناه المعروف، وهو إدراك الطرف الراجح، على أن تجعل ملاقاة الرب مجازا عن الموت، لأنهم يلقون بعده ربهم، ويكون المراد: ونها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يتوقعون الموت في كل لحظة، ويعلمون ما وراءه من البعث والحساب، فهؤُلاء لا يكون الصبر على الطاعة وعلى ترك المعاصى كبيرة على نفوسهم، كما لا تكون الصلاة ثقيلة على نفوسهم أيضًا، حذرا من العقاب- بعد البعث- على معصية الله.
ويجوز أن تفسر ملاقاة الرب بملاقاة ثوابه، وذلك مظنون فالزاهد العابد، لا يقطع بكونه ملاقيا ثواب الله. بل يظن ذلك، ليحمله هذا الظن على كمال الخشوع. والأول أولى؛ لقوله تعالى عقبه: ﴿وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾: أي ويعلمون أنهم إلى ربهم راجعون للحساب والجزاء، فإن الإيمان بالبعث وما وراءه، لا ينفع فيه الظن، بمعناه المعروف، إذ لا بد فيه من القطع واليقين، الذى هو العلم.
وهذه الآيات الثلاث - وإن نزلت في علماء بني إسرائيل - فالحكم فيها عام، يشترك فيه علماءُ الإسلام، ورجال جميع الديانات السماوية من قبل. فهو مبدأ مقرر فيها، فَمَن