قادرون على التخلص مما هم فيه - من كبت وإِذلال - بالهجرة إلى بلد يأمنون فيه على دينهم وأموالهم وأنفسهم - إنَّ هؤُلاءِ تقبض الملائكة - أي ملك الموت وأعوانه - أَرواحهم بإذن الله، عند انتهاءِ آجالهم، في حال ظلمهم أَنفسَهُم، باختيارهم الاستكانة والهوانَ، مع قدرتهم على دفع الظلم بترك مساكنهم.
﴿قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ﴾:
أي تقول لهم الملائكة - تقريعا وتوبيخا حين تقبض أرواحهم -: في أي شيء كنتم من أَمر دينكم؟ هذا الدين الذي يأمر المسلمَ أن يكون - دائمًا - مع الجماعة: يعيش مرفوع الرأْس في عزة وكرامة، ولا يرضى له أن يكون خفيف الجناح، في خسة ومهانة.
﴿قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ﴾:
أي قالوا جوابا عن هذا السؤَال الذي يفيض بالتبكيت والإِيلام. إذ معناه: أَنكم لم تكونوا في شيء من أمر دينكم، حين أَقمتم بدار الكفر، وأنتم قادرون على الهجرة منها .. قالوا - معتذرين في وقت لا ينفع فيه الاعتذار -: كنا نعيش مقهورين تحت أيدي الكفار بأرض مكة بسبب ضعفنا.
أي تقول الملائكة - في ردهم لهذا الاعتذار وعدم قبوله منهم، وإنكارا لتحملهم إذلال الكفار إياهم -: إنكم كنتم قادرين على الهجرة: إلى مكان تستطيعون إقامة دينكم فيه، واللحاق بإخوانكم المهاجرين والانضمام إلى صفوفهم، ليزدادوا بكم قوة ومنعة، فبقيتم بين الكفار، لا عجزًا عن مفارقتهم، بل كان في وسعكم ترك ديارهم، ولكنكم لم تفعلوا. فكان جزاؤكم ما بينه الله في قوله: ﴿فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا﴾: أي فجزاءُ هؤُلاءِ الذين تخلفوا عن الهجرة: أَن يقيموا في جهنم ويستقروا فيها: هي مأواهم ومصيرهم، وبئس هذا المأوى، وذلك المصير.