للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفي الآية من التهويل والإيذان بانقطاع المطامع ما لا يخفى.

﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾: الضمير في ﴿مِنْهَا﴾ للنفس الثانية، وهي الكافرة؛ لأَنها

أقرب مذكور، وليوافق قوله بعد: ﴿وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ﴾ ولأنه المتبادر من قوله: ﴿وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ﴾ أَي أن النفس الكافرة، لو استأذنت ربها في شفاعة شفيع، فإنه لا يجيبها إلى رغبتها.

وقد استدل المعتزلة - بعموم الآية- على أنه لا شفاْعة لأهل الكبائر. وهو مردود بما ورد في الكتاب والسنة من قبول الشفاعة بإذن الله تعالى، قال الله تعالى: ﴿ … مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ … ﴾ (١) وقال تعالى: ﴿ … وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ﴾ (٢) إلى غير ذلك من الآيات.

وقد ثبتت الشفاعة للمؤْمنين المقصرين نصُّا، فيما رواه البخاري عن النبي- حيث قال: "أسعد الناس بشفاعتى يوم القيامة، من قال: لا إلَه إلا الله، خالصًا مخلصًا من قَلْبِهِ" وفي رواية: "مِن نَفْسِه".

وفيما رواه أحمد والترمذي وأبو داود والنسائي عن جابر، والطبراق عن ابن عباس، عن النبي- : "شفاعتى لأهل الكبائر من أمتي"إلى غير ذلك من الأحاديث.

وقد وردت أحاديث الشفاعة مطولة في كتاب التوحيد من صحيح البخاري. وفي باب الإيمان في صحيح مسلم وغيرهما.

فالمراد من قوله تعالى: ﴿وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ﴾ اليهود، فإن الخطاب معهم لردهم عما يعتقدونه من شفاعة آبائهم الأَنبياء لهم.

ومثلهم في حكمهم: جميع الكفار من النصارى والوثنيين ومن لا عقيدة لهم.

وإنما يقبل الله الشفاعة للمؤْمنين المقصرين. رحمة بهم بسبب إيمانهم الذي خلطوه بعمل صالح وآخر سيئ. وهؤُلاء قد وعدهم الله بالغفران إن تابوا. قال تعالى: ﴿ … خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ … ﴾ (٣).


(١) يونس من الآية: ٣
(٢) الأنبياء من الآية: ٢٨
(٣) التوبة الآية: ١٠٢