والمعنى: ولله ما في السموات والأرض: من أجزائهما وما استقر فيهما. ومَن كان كذلك، فكل ما فيهما محتاج إِليه تعالى، وهو غنى عنه بغناه الذاتي، وكفى باللهِ قيما على أمور السموات والأرض، موكولا إِليه شئونهما خلقا وتدبيرا، فلا يليق بعاقلٍ ألا يفعل ما أوصاه به من التقوى، فيلقى بزمام نفسه إلى شهواته وغرائزه الضارة، وينصرف بذلك عن المراشد.
المعنى: إن يشأ إذهابكم - أيها الناس - والإتيانَ بآخرين أفضلَ منكم، فإنه يفعل … ولا رادَّ لمشيئته. كما قال تعالى: ﴿ … وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ … ﴾ (١).
﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا﴾:
فإن مالك السموات والأرض، لا يعجزه تحقيق مشيئته. ومن كان أمره نافذًا في خليقته، فحقه أن يُتَّقَى ويُحذَرَ، ويُشكَرَ ولا يُكفَرَ.
فإذا كان قد أبقاكم على ما أنتم عليه من عصيان، فما ذاك إلا لاستغنائه عن طاعتكم وعدم تعلق مشيئته بإِفنائكم من رحمته بكم، لعلكم تثوبون إلى رشدكم، وتعودون إلى طاعة ربكم؛ لتنالوا ثوابه، وتتقوا عذابه، فمصارع الضالين قبلكم ماثلة أمامكم.
بعد أن بين الله - في الآية السابقة - قدرته على أخذ العصاة بظلمهم ببيان، قدرته على إِفناء جميع الخلق، وإحلال غيرهم محلهم، أَوضح - في هذه الآية - السبيل الأمثل للطاعة. وهو أَداؤُها ابتغاءَ مرضاة الله، دون أَن يراد بها الذكر الحسن، وثناءُ الناس، وجرُّ المغانم. حتى ينالوا بالإخلاص - ثواب الدنيا والآخرة.
والمعنى: من كان يريد - بطاعته - ثواب الدنيا، كالجندي يريد بجهاده الثناءَ على شجاعته، والرقيَّ في الرتب العسكرية، وجَرَّ المغانم، وكالمزكي: يريد بزَكَاتِه الثناءَ عليه