للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تطوى تحت إِيجازها: أنهم نقضوا هذا الميثاق، وأنهم عوقبوا بسبب هذا النقض (١).

والإِيجاز مقصد من مقاصد البلاغة.

والمعنى: فَنَقَضَ بنو إِسرائيل الميثاق الغليظ الذي أخذناه عليهم، فبسبب هذا النقض، لعَنَّاهم وعاقبناهم، كما لعناهم وعاقبناهم بسبب كفرهم بآيات الله الكونية العجيبة، التي أَجراها لله على يد موسى، إذ عبدوا العجل بعدها، وقالوا: ﴿أَرِنَا الله جَهرَةً﴾.

وكذلك آيات التوراة، فقد أَخفوا ما جاءَ فيها من بشارات عن النبي محمَّد ، أَو أَساءُوا تَأَويلها؛ ليبرروا كفرهم به.

وكما لعنَّاهم بذلك، لعناهم بقتلهم أَنبياءهم بغْيًا وحسدًا، دون شائبة من الحق، كما فعلوا بيحيى وزكريا وشعيب وغيرهم ولعناهم وعاقبناهم بقولهم: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾.

والمقصود من قولهم: (قُلُوبُنَا غُلْفٌ) أَنها محجوبة ومغلفة بغلاف من الصدود والرفض لدعوتك يا محمَّد، فلن تصل إليها براهينك، فلا تُتعبِ نفسك معنا.

ويجوز أن يكون المراد: أَن قلوبهم أَوعية للعلم وأَغلفة له، فليسوا بحاجة إلى علم جديد، وهذا الأخير مبني على أن غُلْف - بسكون اللام - مخفف غُلُف - بضمها - جمع غلاف.

وكلا المعنيين قبيح بهم، فالصد عن الحق، والإِعراض عنه، لا يجوز ممن يدَّعون العلم، ويتعالون به على الناس، فهم أَولى بالأَخذ به من الجهلاءِ.

﴿بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ﴾:

هذا رد من الله لا أَرادوه من قولهم: ﴿قُلُوبُنَا غُلْفٌ﴾ أَي ليست قلوبهم مليئة بالعلم كما زعموا. وليس فيما جاءَ به محمَّد ما يصرفهم عن قبوله. فهو الحق الذي ينفذ إِلى


(١) وعقوبتهم وإن لم تشر إليها الآية فهي مفهومة استلزاما من حكايته ذنوبهم الفظيعة. وللتصريح بها في آية المائدة المماثلة لها: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لعناهم .. ﴾ وعلي هذا تكون الباء في قوله: ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ﴾ متعلق بفعل مقدر أي فلعناهم بسبب نقضهم ميثاقهم … إلخ.
وأجاز بعضهم تعلقه بفعل تقديره (لا يؤمنون) أخذا من قوله في آخر الآية: (فلا يؤمنون إلا قليلًا).
وقيل هو وما عطف عليه؛ من قتلهم الأنبياء، وقولهم: "قلوبنا غلف"، وقوله: "وبكفرهم"، وقوله: "وقولهم على مريم"، وقولهم: "إنا قتلنا المسيح" وقوله: "فبظلم" - كل ذلك - متعلق بقوله: "حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم".