ومن عجيب أن تنص أَناجيل المسيحيين، على أَن المسيح أخبر حوارييه أنهم جميعًا سيشكون فيه ليلة الصلب (١) فكيف ساغ لهم القطع بقتله وصلبه، حتى أَلزموا أنفسهم تأْويلات سخيفةً، ناشئة عن اعتقادهم أُلوهيته وصلبه، إِذْ زعموا أَنه صُلِب ليفتديَ أهلَ الخطايا جميعًا!!.
وهذا زعم لا يقبله عاقل. فإنه إِن كان إلها، أَو ابن الله كما زعموا: يستطيع أَن يغفر لمن شاءَ، وَألَّا يُحَكِّم في جسده أَسلحة أَعدائه، كما أَنه - باستسلامه لهم - تسبب في زيادة خطاياهم بقتله، وهذا عكس المقصود!!
(مَا لَهُم بِهِ مِنْ علم الَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ):
بعد أَن أثبت الله شك المختلفين في أمره، وأنهم لا ينزعون - فيما قالوه في شأنه - عن يقين، بل عن حيرة وتردد في أمره، أَكد ذلك بقوله:(مَا لَهم بهِ مِنْ عِلْم) أي ليس لهم بما قالوه في قتل عيسى علمٌ ناشيءٌ عن أدلة يقينية: (إلاَّ اتِّبَاعَ الظّنَّ) أي لكنهم يتبعون - فيما قالوه - الظن والتخمين.
(وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا):
هذا تأكيد ثانٍ. أي وما قَتَلَ اليهودُ والرومانُ عيسى قتلا يقينا.
١٥٨ - (بَل رَّفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ):
أَي: بل رفعه الله إِلى موضع؛ تولى الله فيه حفظه وحمايته، حتى لا يجريَ فيه حكم أعدائه.
(وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا):
أَي وكان الله - ولم يزل - غالبا لا يعجزه شيء، حكيما فيما يصنع؛ فلذلك نَجّى عيسى مِن أَعدائه، ولم يمكِّن من جسده الشريف خصومَ الحق.
(١) جاء في إنجيل متى - إصحاح ٢٦ فقرة ٣١. وإنجيل مرقص - إصحاح ١٤ فقرة ٢٧ - أن السيد المسيح قال لحوارييه: (كلكم يشكون فيَّ هذه الليلة) يقصد الليلة التي قتل فيها، وهذا مصدق لما جاء في القرآن من شكهم فيه.