للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وليتمّ بها حروف الكلام، وخلق الحنجرة وهيّأها لخروج الصّوت، وخلق للّسان قدرة للحركات والتّقطيعات لتقطيع الصّوت في مخارج مختلفة تختلف بها الحروف وليتّسع بها طريق النّطق بكثرتها. ثمّ خلق الحناجر مختلفة الأشكال في الضّيق والسّعة والخشونه والملاسة وصلابة الجوهر ورخاوته والطّول والقصر، حتّى اختلفت بسببها الأصوات، فلا يتشابه صوتان؛ بل يظهر بين كلّ صوتين فرق حتّى يميّز السّامع بعض النّاس عن بعض بمجرّد الصّوت في الظّلمة.

ثمّ زيّن الرّأس بالشّعر والأصداغ، وزيّن الوجه باللّحية والحاجبين، وزيّن الحاجب برقّة الشّعر واستقواس الشّكل، وزيّن العينين بالأهداب.

ثمّ خلق الأعضاء الباطنة وسخّر كلّ واحد لفعل مخصوص.

وإذا عرفت طريق الفكر في نفسك فتفكّر في الأرض الّتي هي مقرّك، ثمّ أنهارها وجبالها، ومعادنها، ثمّ ارتفع منها إلى ملكوت السّماوات، والأرض فمن آياته أن خلق الأرض فراشا ومهادا وسلك فيها سبلا فجاجا وجعلها ذلولا لتمشوا في مناكبها، وجعلها قارّة لا تتحرّك، وأرسى فيها الجبال أوتادا لها تمنعها من أن تميد. ثمّ وسّع أكنافها حتى عجز الادميّون عن بلوغ جميع جوانبها وإن طالت أعمارهم وكثر تطوافهم، فقال تعالى: وَالسَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ* وَالْأَرْضَ فَرَشْناها فَنِعْمَ الْماهِدُونَ (الذاريات/ ٤٧- ٤٨) وقال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَناكِبِها (الملك/ ١٥) وقال تعالى: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً (البقرة/ ٢٢) وقد أكثر في كتابه العزيز من ذكر الأرض ليتفكّر في عجائبها فظهرها مقرّ للأحياء وبطنها مرقد للأموات، قال الله تعالى: أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً* أَحْياءً وَأَمْواتاً (المرسلات/ ٢٥- ٢٦) .

ومن آياته الجواهر المودعة تحت الجبال، والمعادن الحاصلة من الأرض: ففي الأرض قطع متجاورات مختلفة، فانظر إلى الجبال كيف يخرج منها الجواهر النّفيسة من الذّهب والفضّة والفيروز واللّعل وغيرها.

ومن آياته أصناف الحيوانات وانقسامها إلى ما يطير وإلى ما يمشي، وانقسام ما يمشي إلى ما يمشي على رجلين، وإلى ما يمشي على أربع، وعلى عشر، وعلى مئة، كما يشاهد في بعض الحشرات، ثمّ انقسامها في المنافع والصّور والأشكال والأخلاق والطّباع.

ومن آياته البحار العميقة المكتنفة لأقطار الأرض، الّتي هي قطع من البحر الأعظم المحيط بجميع الأرض، حتّى إنّ جميع المكشوف من البوادي والجبال والأرض بالإضافة إلى الماء كجزيرة صغيرة في بحر عظيم وبقيّة الأرض مستورة بالماء.

وقد شاهدت عجائب الأرض وما فيها فتأمّل الان عجائب البحر، فإنّ عجائب ما فيه من الحيوان والجواهر أضعاف عجائب ما تشاهده على وجه الأرض.

ومن آياته الهواء اللّطيف المحبوس بين مقعّر